والمستفهم عن رؤيته في مثل هذا التركيب في الاستعمال هو أحوال المرئي وإناطة البصر بها ، أي أن أمر المستفهم عنه واضح باد لكل من يراه كقوله : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) [الماعون : ١ ، ٢] وقوله : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) [الإسراء : ٦٢] إلخ .. والأكثر أن يكون ذلك توطئة لكلام يأتي بعده يكون هو كالدليل عليه أو الإيضاح له أو نحو ذلك ، فيؤول معناه بما يتصل به من كلام بعده ، ففي قوله هنا : (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ) تمهيد لأن يطلب منهم الإخبار عن شيء خلقه شركاؤهم فصار المراد من (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ) انظروا ما تخبرونني به من أحوال خلقهم شيئا من الأرض ، فحصل في قوله : (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ) إجمال فصّله قوله : (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) فتكون جملة (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا) بدلا من جملة (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ) بدل اشتمال أو بدل مفصل من مجمل.
والمراد بالشركاء من زعموهم شركاء الله في الإلهية فلذلك أضيف الشركاء إلى ضمير المخاطبين ، أي الشركاء عندكم ، لظهور أن ليس المراد أن الأصنام شركاء مع المخاطبين بشيء فتمحضت الإضافة لمعنى مدّعيكم شركاء لله.
والموصول والصلة في قوله : (الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) للتنبيه على الخطإ في تلك الدعوة كقول عبدة بن الطبيب :
إن الذين ترونهم إخوانكم |
|
يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا |
وقرينة التخطئة تعقيبه بقوله : (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) ، فإنه أمر للتعجيز إذ لا يستطيعون أن يروه شيئا خلقته الأصنام ، فيكون الأمر التعجيزي في قوة نفي أن خلقوا شيئا ما ، كما كان الخبر في بيت عبدة الوارد بعد الصلة قرينة على كون الصلة للتنبيه على خطأ المخاطبين.
وفعل الرؤية قلبي بمعنى الإعلام والإنباء ، أي أنبئوني شيئا مخلوقا للذين تدعون من دون الله في الأرض.
و (ما ذا) كلمة مركبة من (ما) الاستفهامية و (ذا) التي بمعنى الذي حين تقع بعد اسم استفهام ، وفعل الإراءة معلّق عن العمل في المفعول الثاني والثالث بالاستفهام. والتقدير : أروني شيئا خلقوه مما على الأرض.