والنذير : المنذر بكلامه. فالمعنى : فلما جاءهم رسول وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ولم يكن جاءهم رسول قبله كما قال تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ)[القصص : ٤٦] وهذا غير القسم المحكي في قوله تعالى : «وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها».
والزيادة : أصلها نماء وتوفر في ذوات. وقد يراد بها القوة في الصفات على وجه الاستعارة كقوله تعالى : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٥]. ومن ثمة تطلق الزيادة أيضا على طروّ حال على حال ، أو تغيير حال إلى غيره كقوله تعالى : (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) [النبأ : ٣٠].
وتطلق على ما يطرأ من الخير على الإنسان وإن لم يكن نوعه عنده من قبل كقوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] ، أي وعطاء يزيد في خيرهم.
ولما كان مجيء الرسول يقتضي تغير أحوال المرسل إليهم إلى ما هو أحسن كان الظنّ بهم لمّا أقسموا قسمهم ذلك أنهم إذا جاءهم النذير اهتدوا وازدادوا من الخير أن كانوا على شأن من الخير فإن البشر لا يخلو من جانب من الخير قوي أو ضعيف فإذا بهم صاروا نافرين من الدين الذي جاءهم.
والاستثناء مفرع من مفعول (زادَهُمْ) المحذوف ، أي ما أفادهم صلاحا وحالا أو نحو ذلك إلّا نفورا فيكون الاستثناء في قوله : (إِلَّا نُفُوراً) من تأكيد الشيء بما يشبه ضده لأنهم لم يكونوا نافرين من قبل.
ويحتمل أن يكون المراد أنهم لما أقسموا : (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى) كان حالهم حال النفور من قبول دعوة النصارى إياهم إلى دينهم أو من الاتعاظ بمواعظ اليهود في تقبيح الشرك فأقسموا ذلك القسم تفصيا من المجادلة ، وباعثهم عليه النفور من مفارقة الشرك ، فلما جاءهم الرسول ما زادهم شيئا وإنما زادهم نفورا ، فالزيادة بمعنى التغيير والاستثناء تأكيد للشيء بما يشبه ضده. والنفور هم نفورهم السابق ، فالمعنى لم يزدهم شيئا وحالهم هي هي.
وضمير (زادَهُمْ) عائد إلى رسول أو إلى المجيء المأخوذ من (جاءَهُمْ). وإسناد الزيادة إليه على كلا الاعتبارين مجاز عقلي لأن الرسول أو مجيئه ليس هو يزيدهم ولكنه سبب تقوية نفورهم أو استمرار نفورهم.
و (اسْتِكْباراً) بدل اشتمال من (نُفُوراً) أو مفعول لأجله ، لأن النفور في معنى