الظاهر من كونه تفصيلا أن لا يعطف فيقال : الشمس تجري لمستقر لها ، فخولف مقتضى الظاهر لأن في هذا التفصيل آية خاصة وهي آية سير الشمس والقمر.
وقدم التنبيه على آية الليل والنهار لما ذكرناه هنالك ؛ فكانت آية الشمس المذكورة هنا مرادا بها دليل آخر على عظيم صنع الله تعالى وهو نظام الفصول.
وجملة (تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) يحتمل الوجوه التي ذكرناها في جملة (أَحْيَيْناها) [يس: ٣٣] من كونها حالا أو بيانا لجملة (وَآيَةٌ لَهُمُ) [يس : ٣٧] أو بدل اشتمال من (وَآيَةٌ).
والجري حقيقته : السير السريع وهو لذوات الأرجل ، وأطلق مجازا على تنقل الجسم من مكان إلى مكان تنقلا سريعا بالنسبة لتنقل أمثال ذلك الجسم ، وغلب هذا الإطلاق فساوى الحقيقة وأريد به السير في مسافات متباعدة جدّ التباعد فتقطعها في مدة قصيرة بالنسبة لتباعد الأرض حول الشمس. وهذا استدلال بآثار ذلك السير المعروفة للناس معرفة إجمالية بما يحسبون من الوقت وامتداد الليل والنهار وهي المعرفة لأهل المعرفة بمراقبة أحوالها من خاصة الناس وهم الذين يرقبون منازل تنقلها المسماة بالبروج الاثني عشر ، والمعروفة لأهل العلم بالهيئة تفصيلا واستدلالا وكل هؤلاء مخاطبون بالاعتبار بما بلغه علمهم.
والمستقر : مكان الاستقرار ، أي القرار أو زمانه ، فالسين والتاء فيه للتأكيد مثل : استجاب بمعنى أجاب. واللام في (لِمُسْتَقَرٍّ) يجوز أن تكون لام التعليل على ظاهرها ، أي تجري لأجل أن تستقر ، أي لأجل أن ينتهي جريها كما ينتهي سير المسافر إذا بلغ إلى مكانه فاستقر فيه ، وهو متعلق ب (تَجْرِي) على أنه نهاية له لأن سير الشمس لما كانت نهايته انقطاعه نزّل الانقطاع عنه منزلة العلة كما يقال : «لدوا للموت وابنوا للخراب».
وتنزيل النهاية منزلة العلة مستعمل في الكلام ، ومنه قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨]. والمعنى : أنها تسير سيرا دائبا مشاهدا إلى أن تبلغ الاحتجاب عن الأنظار.
ويجوز أن تكون اللام بمعنى (إلى) ، أي تجري إلى مكان استقرارها وهو مكان الغروب ، شبه غروبها عن الأبصار بالمستقر والمأوى الذي يأوي إليه المرء في آخر النهار بعد الأعمال. وقد ورد تقريب ذلك في حديث أبي ذر الهروي في صحيحي «البخاري» و «مسلم» و «جامع الترمذي» بروايات مختلفة حاصل ترتيبها أنه قال : «كنت مع رسول الله