في المسجد عند غروب الشمس فسألته (أو فقال) : إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخرّ ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها : ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها : ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها : ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها فذلك مستقرّ لها ومستقرها تحت العرش فذلك قوله تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها).
وهذا تمثيل وتقريب لسير الشمس اليومي الذي يبتدئ بشروقها على بعض الكرة الأرضية وينتهي بغروبها على بعض الكرة الأرضية ، في خطوط دقيقة ، وبتكرر طلوعها وغروبها تتكون السنة الشمسية.
وقد جعل الموضع الذي ينتهي إليه سيرها هو المعبر عنه بتحت العرش وهو سمت معيّن لا قبل للناس بمعرفته ، وهو منتهى مسافة سيرها اليومي ، وعنده ينقطع سيرها في إبان انقطاعه وذلك حين تطلع من مغربها ، أي حين ينقطع سير الأرض حول شعاعها لأن حركة الأجرام التابعة لنظامها تنقطع تبعا لانقطاع حركتها هي وذلك نهاية بقاء هذا العالم الدنيوي.
واللام في قوله (لَها) لام الاختصاص وهو صفة (لِمُسْتَقَرٍّ). وعدل عن إضافة مستقر لضمير الشمس المغنية عن إظهار اللام إلى الإتيان باللام ليتأتى تنكير «مستقر» تنكيرا مشعرا بتعظيم ذلك المستقر.
وكلام النبي صلىاللهعليهوسلم هذا تمثيل لحال الغروب والشروق اليوميين. وجعل سجود الشمس تمثيلا لتسخرها لتسخير الله إياها كما جعل القول تمثيلا له في آية (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١].
واعلم أن قوله : (لِمُسْتَقَرٍّ لَها) إدماج للتعليم في التذكير وليس من آية الشمس للناس لأن الناس لا يشعرون به فهو كقوله تعالى : (لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) [الأنعام : ٦٠] عقب الامتنان بقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) [الأنعام : ٦٠].
والإشارة ب (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) إلى المذكور : إما من قوله : (وَالشَّمْسُ