والاستفهام تقريري ، وخوطبوا بعنوان (بَنِي آدَمَ) لأن مقام التوبيخ على عبادتهم الشيطان يقتضي تذكيرهم بأنهم أبناء الذي جعله الشيطان عدوّا له ، كقول النابغة :
لئن كان للقبرين قبر بجلق |
|
وقبر بصيدا الذي عند حارب |
وللحارث الجفني سيد قومه |
|
ليلتمس بالجيش دار المحارب |
يعني بلاد من حارب أصوله.
والعهد : الوصاية ، ووصاية الله بني آدم بألا يعبدوا الشيطان هي ما تقرر واشتهر في الأمم بما جاء به الرسل في العصور الماضية فلا يسع إنكاره. وبهذا الاعتبار صح الإنكار عليهم في حالهم الشبيهة بحال من يجحد هذا العهد.
واعلم أن في قوله تعالى : (أَعْهَدْ) توالي العين والهاء وهما حرفان متقاربا المخرج من حروف الحلق إلّا أن تواليهما لم يحدث ثقلا في النطق بالكلمة ينافي الفصاحة بموجب تنافر الحروف لأن انتقال النطق في مخرج العين من وسط الحلق إلى مخرج الهاء من أقصى الحلق خفف النطق بهما ، وكذلك الانتقال من سكون إلى حركة زاد ذلك خفة. ومثله قوله تعالى : (وَسَبِّحْهُ) [الإنسان : ٢٦] المشتمل على حاء وهي من وسط الحلق وهاء وهي من أقصاه إلّا أن الأولى ساكنة والثانية متحركة وهما متقاربا المخرج ، ولا يعد هذا من تنافر الحروف ، ومثل له بقول أبي تمام :
كريم متى أمدحه أمدحه والورى |
|
معي وإذا ما لمته لمته وحدي |
فإن كلمة (أمدحه) لا تعدّ متنافرة الحروف على أن تكريرها أحدث عليها ثقلا ما فلا يكون ذلك مثل قول امرئ القيس :
غدائره مستشزرات إلى العلى (١)
المجعول مثالا للتنافر فإن تنافر حروفه انجرّ إليه من تعاقب ثلاثة حروف : السين والشين والزاي ، ولو لا الفصل بين السين والشين بالتاء لكان أشد تنافرا.
وموجبات التنافر كثيرة ومرجعها إلى سرعة انتقال اللسان في مخارج حروف شديدة التقارب أو التباعد مع عوارض تعرض لها من صفات الحروف من : جهر وهمس ، أو شدة ورخو ، أو استعلاء واستفال ، أو انفتاح وانطباق ، أو إصمات وانذلاق. ومن حركاتها
__________________
(١) تمامه : تضل العقاص في مثنى ومرسل.