أنّ الزهراء (سلام الله عليها) لا شغل لها في الليل والنهار إلَّا البكاء ، ولا أتصوّر أنّ الزهراء (سلام الله عليها) تبكي حتّى ينزعج أهل المدينة من بكائها ، مع فهمها لقضاء الله وقدره ، وأنّ الصبر من القيم الإسلامية المطلوبة حتّى لو كان الفقيد في مستوى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
فهل كثرة بكاء الزهراء (سلام الله عليها) وزين العابدين (عليه السّلام) أمر ثابت عند الشيعة أو لا؟
وهل كان بكاؤهما عاطفيا محضاً أو كان وظيفة يمارسها المعصوم لهدف من الأهداف؟ وعلى فرض كونه عاطفيّاً فهل يتنافى مع التسليم لقضاء الله وقدره ، خصوصاً مع كون الفقيد هو المصطفى (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟
باسمه تعالى ليس المراد ببكاء الزهراء (سلام الله عليها) ليلًا ونهاراً استيعاب البكاء لتمام أوقاتها الشريفة ، بل هو كناية عن عدم اختصاصه بوقت دون آخر ، كما أنّ البكاء إظهاراً للرحمة والشفقة لا ينافي التسليم لقضاء الله وقدره ، والصبر عند المصيبة ، فقد بكى النّبي يعقوب (عليه السّلام) على فراق ولده يوسف حتى ابيضّت عيناه من الحزن ، كما ذكر في القرآن ، مع كونه نبيّاً معصوماً.
وبكاء الزهراء (سلام الله عليها) على أبيها كما كان أمراً وجدانياً لفراق أبيها المصطفى (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فقد كان إظهاراً لمظلوميتها ومظلوميّة بعلها (عليه السّلام) وتنبيها على غصب حقّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الخلافة ، وحزناً على المسلمين من انقلاب جملة منهم على أعقابهم ، كما ذكرته الآية المباركة (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) بحيث ذهبت إتعاب الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في تربية بعض المسلمين سدى.
كما أنّ البكاء على الحسين (عليه السّلام) من شعائر الله ، لأنّه إظهار للحق الذي من أجله ضحّى الحسين (عليه السّلام) بنفسه ، وإنكار للباطل الذي أظهره بنو أُميّة ، ولذلك بكى زين العابدين (عليه السّلام) على أبيه مدّة طويلة ، إظهاراً لمظلومية الحسين (عليه السّلام) وانتصاراً لأهدافه. ولا يخفى أنّ بكاء الزهراء وزين العابدين (عليهما السّلام) فترة طويلة من المسلَّمات عند الشيعة الإماميّة.