الجواب على معرفة المراد من برهان ربّه الذي رآه ، فنقول : هو يقينه (عليه السّلام) وإيمانه بربّه الذي أحسن مثواه ، وهو متّصف به قبل الابتلاء بالواقعة ، ولهذا قال لها (مَعاذَ الله إِنَّه رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) ، فليس المراد من هذه الجملة أنّه مال إلى الفعل وانقدح في نفسه ارتكابه ثمّ زال ميله إليه. وهذا نظير ما في قوله سبحانه وتعالى حكاية عن أم موسى (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِه لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١) ، حيث إنّ الربط على قلبها كان سابقاً على ذلك فكان مانعاً عن الإبداء والميل إليه ، ونظير قوله سبحانه أيضاً (ولَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا) (٢).
وأمّا حكاية النبي يونس (عليه السّلام) فنقول : إنّ الذي أعطيت له مرتبة العصمة لا يليق به أن يباشر عملًا يحبه من غير أن ينتظر فيه أمر ربه ، وعند ما نطبّق ذلك على واقعة النبي يونس (عليه السّلام) نلاحظ أنّ الله سبحانه لم يأمره بالبقاء مع القوم في الوقت الموعود ، ولكن خروجه لم يكن مناسباً منه ، ويعبر عن ذلك بترك الأولى ، وابتلاؤه بعد الخروج واستغاثته ونداؤه في الظلمات كان تداركاً لما صدر منه ، فإنّ حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فلم يكن ذلك الابتلاء وتلك الاستغاثة بسبب صدور المعصية منه.
وأما التعبير عن ذهابه بقوله سبحانه (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْه) فهو من قبيل بيان لسان الحال وأن فعله فعل من يظن ذلك.
وأمّا قضية النهي الموجه لآدم (عليه السّلام) عن القرب من الشجرة وقوله سبحانه (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ) (٣) فيمكن أن يجاب عنه بأحد وجهين :
الوجه الأوّل : إن آدم (عليه السّلام) حين توجّه النهي إليه كان مع امرأته يعيشان وحدهما في الجنة ، فلم يكن نبياً ولم يكن مرسلًا لقومه بعد.
__________________
١) سورة القصص : الآية ١٠.
٢) سورة الاسراء : الآية ٧٤.
٣) سورة البقرة : الآية ٣٦.