قولهم : فى الوجه الثانى من التفصيل : أنه من المحتمل أنّ الله تعالى كان قد عرّف موسى استحقاق القبطى القتل. باطل بما بيناه من أن موسى فى ذلك الوقت لم يكن قد أوحى إليه بعد ، ولا كان رسولا ، وعلى هذا ؛ فقد بطل ما فرعوه من تخريج الإلزامات على ترك المندوب من تأخير قتل القبطى.
الحجة الرابعة عشرة :
قوله ـ تعالى ـ حكاية عن موسى ـ عليهالسلام ـ :
(وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) (١).
ووجه الاحتجاج به : أنه لا يخلو :
إمّا أن يكون قد صدر من هارون ذنب يستحق به إيقاع ذلك الفعل به ، أو أنه لم يصدر منه ذلك.
فإن كان الأول : فقد أذنب هارون.
وإن كان الثانى : فموسى يكون مذنبا بإيذائه لهارون ، وأيهما قدر فهو نبىّ.
فإن قيل : إنما يلزم ما ذكرتموه أن لو كان أخذ موسى برأس هارون على طريق الغضب ، والضرب له. وليس كذلك ؛ بل إنما كان أخذه برأس أخيه ، وجره إليه ؛ لأنه رآه على جزع عظيم ، لما رأى من قومه من عبادة العجل على سبيل التوجع له ، والتسكين لقلقه : كما يفعل الواحد منا عند ما يريد إصلاح غضبان. وتسكين من أصابته مصيبه.
ويحتمل أن موسى لما غلب عليه من الحزن ، واستيلاء الفكر لما أحدثه قومه من بعده ، أنه أخذ برأس أخيه يجره إليه. لا على طريق الإيذاء له ؛ بل كما يفعل الإنسان بنفسه عند حدوث مصيبه من عض يده ، وشفته ، وقبضه على لحيته ؛ وأجرى موسى لهارون فى ذلك مجرى نفسه ؛ لأنه كان أخاه ، وشريكه فيما يناله من خير وشرّ ، وبتقدير
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ / ١٥٠ ولمزيد من البحث والدراسة راجع ما يلى :
تفسير الكشاف للزمخشرى ٢ / ١١٩ ، وتفسير الرازى ١٥ / ١٣ ، ١٤ ، وتفسير القرطبى ٤ / ٢٧٢٤ ـ ٢٧٢٦ ، ومختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٥٢.
وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ١٤٥.