القياس ، فإن عدم بعضاً من هذه الخصال لم يحل له أن يكون قياساً.
ثمّ إنّ أبا زهرة بعد أن نقل هذا الكلام من الشافعي يقول : وفي الحقّ أن تعرف العلل واستخراجها من النصوص والأحكام هو عمل الفقيه الحاذق الّذي عالج النصوص وتحرى فهمها فهماً عميقاً ، وتعرف مقاصد الشريعة في عمومها وفي خصوصها. (١)
والّذي يغرّ القائلين بالقياس في إمكان استخراج المناط هو الاستشهاد بأمثلة يكون المناط فيها واضحاً ، مثلاً يقول الغزالي مثاله : أن يضيف الشارع الحكم إلى سبب ينوطه به وتقترن به أوصاف لا مدخل لها في الإضافة فيجب حذفها عن درجة الاعتبار حتّى يتسع الحكم : مثاله إيجاب العتق على الأعرابي حيث أفطر في رمضان بالوقاع مع أهله فإنّا نلحق به أعرابياً آخر بقوله (عليهالسلام) : حكمي على الواحد حكمي على الجماعة ، أو بالإجماع على أنّ التكليف يعمّ الأشخاص ولكنّا نلحق التركي والعجمي به ، لأنّا نعلم أنّ مناط الحكم وقاع مكلّف لا وقاع أعرابي ونلحق به من أفطر في رمضان آخر ، لأنّا نعلم أنّ المناط هتك حرمة رمضان لا حرمة ذلك الرمضان ، بل نلحق به يوماً آخر من ذلك الرمضان ؛ ولو وطأ أمته أوجبنا عليه الكفّارة ، لأنّا نعلم أنّ كون الموطوءة منكوحة لا مدخل له في هذا الحكم ، بل يلحق به الزنا ، لأنّه أشدّ في هتك الحرمة ، إلّا أنّ هذه إلحاقات معلومة تنبئ على تنقيح مناط الحكم بحذف ما علم بعادة الشرع في موارده ومصادره في أحكامه أنّه لا مدخل له في التأثير. (٢)
أقول : ما ذكره من المثال خارج عن محط النزاع لما عرفت من أنّ حذف
__________________
(١) (أُصول الفقه : ٢٣٠.)
(٢) المستصفى : ٢٣٢ / ٢ ، ط مصر.