الأسباب ترتّبت عليها مسبباتها ، وما القياس إلّا سيرٌ على هذا السنن الإلهي وترتيب المسبب على سببه في أيّ محل وجد فيه. (١)
يلاحظ عليه أوّلاً : إنّ المثبت والنافي ركّزوا على تفسير قوله سبحانه : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) فالمثبت يقول : إنّ لفظ الاعتبار من العبرة ، وهو العبور من شيء إلى شيء ، فيدلّ على أنّ من وظائف الإنسان هو العبور من شيء إلى مشابهه. فالقياس من تلك المقولة ، أي عبور من الأصل إلى الفرع.
ولكن نفاة القياس يركّزون على أنّ المراد هو الاتّعاظ ، أي فاتّعظوا بقصة بني النضير ، وأين هو من القياس؟!
أقول : سواء أفسِّر الاعتبار بالاتّعاظ أم بالعبور من شيء إلى شيء ، فإنّ المرمى في كليهما واحد ، لأنّ الاتّعاظ أيضاً لا يخلو من العبور ، أي العبور ممّا شاهد إلى ما لم يشاهد.
وبذلك يظهر أنّ النزاع في قوله : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) نزاع لا طائل تحته. إنّما الكلام في كون الاعتبار بالمسائل الكونية الّتي هي سنن الله سبحانه ، هل هي من مقولة القياس أو لا صلة لها به؟
والتحقيق هو الثاني ، وذلك لأنّ من شرائط العمل بالقياس هو أن لا يكون الدليل الدالّ الّذي دلّ على العلّة ، متناولاً حكم الفرع لا بعمومه ولا بخصوصه ، فإذا كان الدليل الدالّ على العلّة شاملاً على الفرع والأصل في درجة واحدة غير أنّ أحد المصداقين كان ملموساً والآخر غير ملموس ، فهذا خارج عن كونه قياساً. والمقام من تلك المقولة.
توضيحه : انّ الآية بصدد بيان سنّة الله في الظالمين من غير فرق بين بني
__________________
(١) علم أُصول الفقه : ٦٢.