مثلاً انّ الخاص يقدّم على العام ، والمقيّد على المطلق ، والنص على الظاهر المخالف ، وأحكام العناوين الثانوية كالضرر والحرج على أحكام العناوين الأوّلية وغير ذلك ، فتقديم أيّ دليل على آخر يجب أن يكون داخلاً تحت أحد هذه الملاكات وأمثالها ممّا قرّر في مبحث تعارض الأدلّة وترجيحها ، لا تحت عنوان الاستحسان ، وعلى هذا لو فسروا الاستحسان بمعنى تقدم أحد الدليلين على الدليل الآخر بملاك موجب له ، لاتّفقت الشيعة أيضاً معهم.
ومما يرشد إلى ذلك انّ الأُستاذ «أبو زهرة» يعرف القياس ويقسمه إلى قسمين : أحدهما : استحسان القياس ، والآخر : استحسان سبب معارضة القياس ، ويمثل للقسم الأوّل بقوله : أن يكون في المسألة وصفان يقتضيان قياسين متباينين أحدهما ظاهر متبادر وهو القياس الاصطلاحي ، والثاني خفي يقتضي إلحاقها بأصل آخر فتسمى هنا استحساناً ، مثل انّ المرأة عورة من قمة رأسها إلى قدميها ، ثمّ أُبيح النظر إلى بعض المواضع للحاجة ، كرؤية الطبيب ، فأعملت علّة التيسير هنا في هذا الموضع. (١)
إنّ الأُستاذ وإن أصاب في تقديم الدليل الثاني على الأوّل ولكنّه لم يذكر وجهه ، فانّ المقام داخل تحت العناوين الثانوية فتقدم على أحكام العناوين الأوّلية ، فقوله سبحانه : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢) يدلّ على أنّ كلّ حكم حرجي مرفوع في الإسلام وغير مشرّع ، فلو افترضنا انّ بدن المرأة عورة كلّه يجب عليها ستره ، لكن هذا الحكم يختص بغير حالة الضرورة ، وذلك لتقدم
__________________
(١) (أُصول الفقه : ٢٤٧ ٢٤٩.)
(٢) الحج : ٧٨.