مثاله : انّ مبادلة التمر الرديء بالجيّد تفاضلاً رباً محرّم ، ولكنّ بيع كلّ على حدة أمر جائز ، وإن كانت النتيجة في كلا الأمرين واحدة ، ولكن الحرام هو سلوك الطريق الثاني لا الأوّل. وإن كانت النتيجة واحدة وليس للعقل الإنساني الإحاطة بعامة المصالح والمفاسد.
وهذا القسم خارج عن محلّ النزاع أيضاً ، لأنّه فيما إذا احتال وتوصّل بالحلال إلى الحرام ، وأمّا هنا فقد توصّل بالحلال إلى الحلال.
الثالث : إذا كان السبب غير مؤثر في حصول النتيجة شرعاً ، فالتوصّل في مثله محرّم غير ناتج ، وذلك كالمثال الذي نقله الإمام البخاري عن أبي حنيفة وانّه أفتى فيما إذا غصب الرجل جارية ، فزعم انّها ماتت فقضى بقيمة الجارية الميتة ، وانّ الجارية للغاصب وإن تبيّن بعدُ انّها حيّة ، وليس لصاحبها أخذها إذا وجدها حيّة.
وغير خفي أنّ زعم الغاصب موت الجارية لا يخرجها عن ملك صاحبها ، ولا يوجب اشتغال ذمة الغاصب بقيمتها ، بل تبقى الجارية على ملكية المالك ، فلو ظهر حياتها انكشف انّ القضاء بردّ القيمة ، كان باطلاً من أصله.
ومن خلاله ظهر أنّ السبب (زعم الغاصب موت الجارية) غير مؤثر في الانتقال فلا يقع ذريعة لتملّكها ، وهو الذي رتّب عليه البخاري رداً على أبي حنيفة وقال : إنّه يحتال من اشتهى جارية رجل لا يبيعها ، فغصبها واعتلّ بأنّها ماتت حتّى يأخذ ربّها قيمتها ، فيطيب للغاصب جارية غيره. (١)
لما عرفت من أنّ اعتقاد الغاصب بموت الجارية جازماً لا يكون سبباً لخروج الجارية عن ملك صاحبها وخروج قيمتها عن ملك الغاصب ، فكيف إذا كان
__________________
(١) صحيح البخاري : ٣٣ / ٩ ، كتاب الإكراه.