بعام ، وعلى كلّ تقدير استنتج الحكم من دليل لو وصل إلينا لم نعتبره دليلاً ، فمع هذا الاحتمال لم يبق وثوق بأنّه سبحانه أذن في الإفتاء وفق قوله.
الثاني : أنّ أقصى ما يمكن أن يقال هو الظنّ بأنّه استند إلى النّص ، لا القطع ، ومن المعلوم أنّ الظنّ ليس بحجّة ما لم يدل دليل قاطع على حجّيته فما لم يحرز انّه استند إلى النص ، لا يحكم عليه بالحجيّة وإلّا يدخل الإفتاء به تحت قوله سبحانه : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ). (١)
الثالث : لو كان قول الصحابي مستنداً إلى سماعه عن النبي ، أو عمّن سمعه من النبي ، لم يكن يترك ذكره ، لما فيه من الشرف والمفخرة له ، بشهادة أنا نجد اهتمام الصحابة بنقل كلّ ما يمتّ إلى النبي بصلة من دقيق وجليل وقول وفعل وتقرير وتصديق.
فالإفتاء بلا ذكر السماع يُشرف الفقيه على القطع بأنّ ما نقله الصحابي هو في الواقع اجتهاد منه ، وبذلك لا يبقى أيّ اطمئنان ووثوق بمثل هذا القول.
وهناك حقيقة مرّة ، وهي انّ التأكيد على حجية قول الصحابي لأجل انّ حذفه من الفقه السنّي يوجب انهيار صرح البناء الفقهي الذي أشادوه ، وتغيّر القسم الأعظم من فتاواهم ، وحلول فتاوى أُخر محلّها ربما استتبع فقهاً جديداً لا أُنس لهم به.
والحاصل : انّ الحجّة هو العلم بأنّه بصدد نقل سنة الرسول ، وأمّا إذا ظنّ بأنّه كذلك فليس بحجّة ، وما دلّ من الأدلّة على حجّية قول الصحابي ، منحصر بما إذا علم أنّه بصدد بيان كلام الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وقوله ، أو عمله وفعله ، أو تقريره وتصديقه.
__________________
(١) يونس : ٥٩.