يُسنده إليه ظاهراً ، يقول :
لا خلاف بين أصحابنا المتقدّمين والمتأخرين انّ قول الواحد من الصحابة حجّة فيما لا مدخل للقياس في معرفة الحكم فيه ، وذلك لأنّ أحداً لا يظن بهم المجازفة في القول ، ولا يجوز أن يحمل قولهم في حكم الشرع على الكذب ؛ فإنّ طريق الدين من النصوص إنّما انتقل إلينا بروايتهم ، وفي حمل قولهم على الكذب والباطل قولٌ بفسقهم ، وذلك يبطل روايتهم.
فلم يبق إلّا الرأي أو السماع ممّن ينزل عليه الوحي ، ولا مدخل للرأي (القياس) في هذا الباب ، فتعيّن السماع وصار فتواه مطلقاً كروايته عن رسول الله ، ولا شكّ انّه لو ذكر سماعه من رسول الله لكان ذلك حجّة لإثبات الحكم به ، فكذلك إذا أفتى به ولا طريق لفتواه إلّا السماع ، ولهذا قلنا : إنّ قول الواحد منهم فيما لا يوافقه القياس يكون حجّة في العمل به كالنص يترك القياس به. (١)
وخلاصة كلامه : أنّ قول الصحابي إن كان موافقاً للقياس نحدس بأنّه رأيه ونظره استند إلى القياس فلا يكون حجّة للمجتهد الآخر ، وأمّا إذا كان مخالفاً للقياس ، فلا يكون لقوله مبدأ سوى السماع عن الرسول ويكون حجّة.
يلاحظ على كلامه بوجوه :
الأوّل : أنّ كلامه مبنيّ على أنّ للاجتهاد دعامتين : إحداها : القياس ، والأُخرى : النص. فإذا كان قول الصحابي مخالفاً للقياس ، فيكون دليلاً على أنّه اعتمد على النص ونقله ، ولكنّك خبير بأنّ للاجتهاد دعامات أُخرى ، فمن الممكن أن يستند في قوله إلى إطلاق الآية وليس لها إطلاق ، أو عموم دليل وليس
__________________
(١) أُصول السرخسي : ١١٠ / ٢ بتلخيص.