وعلى هذا درج الإمامية عبر العصور ، هذا هو الشيخ الطوسي (٣٨٥ ٤٦٠ ه) وابن زهرة الحلبي (٥١١ ٥٨٨ ه) ، صرّحا بجواز التعبّد به عقلاً بلفظ واحد قالا : ويجوز من جهة العقل التعبّد بالقياس في الشرعيات ، لأنّه يمكن أن يكون طريقاً إلى معرفة الأحكام الشرعية ودليلاً عليها ، ألا ترى أنّه لا فرق في العلم بتحريم النبيذ المسكر مثلاً بين أن ينصّ الشارع على تحريم جميع المسكر ، وبين أن ينصّ على تحريم الخمر بعينها ، وينص على أنّ العلّة في هذا التحريم الشدّة.
ولا فرق بين أن ينص على العلّة ، وبين أن يدلّ بغير النص على أنّ تحريم الخمر لشدّتها ، أو ينصب لنا أمارة تغلب في الظن عندها انّ تحريم الخمر لهذه العلّة مع إيجابه القياس علينا في هذه الوجوه كلّها ، لأنّ كلّ طريق منها ، يوصل إلى العلم بتحريم النبيذ المسكر ، ومن منع من جواز ورود العبادة بأحدها كمن صنع من جواز ورودها بالباقي.
(١)
هذان المذهبان هما المهمان ، وهناك مذاهب أُخرى أشار إليها الشيخ الطوسي في «العدّة» فمن أراد التفصيل فليرجع إليها. (٢)
وخلاصة الكلام : أنّ القياس دليل ظنّي كسائر الظنون : مثل خبر الواحد ، والإجماع المنقول به ، فكما يجوز عند العقل أن يأمر الشارع بالعمل بهما ، كذلك القياس ، والمحاذير المتوهمة في العمل بالقياس ، أعني :
المحاذير الملاكية.
والمحاذير المبادئية.
__________________
(١) (غنية النزوع : ٣٨٦ ، قسم الأُصول ، الطبعة الحديثة. قوله : «يوصل إلى العلم» أي إذا كان الدليل الدالّ على هذه التسوية دليلاً قطعيّاً.)
(٢) عدة الأُصول : ٦٥٠ / ٢ ٦٩٢ ؛ ولاحظ الذريعة : ٦٧٥ / ٢ ٦٨٠.