أحدهما وجوبا تعيينيا والآخر تخييريا ، كما لو وقعت المزاحمة بين صوم الكفارة والحج الواجب ، فإنّ وجوب صوم الكفارة له بدل في عرضه بخلاف وجوب الحج فانه وان كان مشروطا بالاستطاعة المفسرة بالزاد والراحلة وأمنية الطريق ، إلّا أنّه بعد حصول شرطه يدور الأمر بين رفع اليد عن الحج أو عن صوم الكفارة ، وحيث انّ الصوم له بدل ، فيمكن امتثال كلا التكليفين ، بل الفرض خارج عن باب التعارض والتزاحم معا ، وذلك لأنّ الواجب للكفارة ليس خصوص الصوم الّذي هو طرف التزاحم ، وانما هو عنوان أحد الأمور على ما سنبينه في محله من انّ متعلق التكليف في الواجب التخييري هو الجامع بين الأطراف ، وستعرف إن شاء الله انه لو علم الإنسان إجمالا بوجود شبح في الدار مردد من جنس إنسان أو بقر أو غير ذلك ، فانّ متعلق العلم هو الوجود الخارجي يقينا مع انّ المعلوم ليس إلّا عنوان أحد الأمور ، فتعلق العلم بالجامع الانتزاعي لا ينافي تعلقه بالوجود الخارجي ، والطلب في الوجوب التخييري كذلك مع تعلقه بالجامع متعلقه الإيجاد الخارجي على ما سيأتي تفصيله في محله.
وبالجملة فحيث انّ متعلق الوجوب في المقام ليس إلّا الجامع ، والمفروض انّ طرف التزاحم ليس هو الجامع وانما هو خصوص الصوم فلا تزاحم في الحقيقة أصلا ، فالمقام خارج عن باب التعارض والتزاحم معا.
الثاني : ان يكون لأحد المتزاحمين بدل طولي ، كما لو دار الأمر بين الإتيان بالوضوء والصلاة مع الطهارة المائية وحفظ النّفس المحترمة في فرض انحصار الماء وعدم التمكن من استعماله في كلا الأمرين ، فإنّ للطهارة المائية أي الصلاة المقيدة بها بدل طولي وهو الصلاة مع الطهارة الترابية على ما يستفاد من التفصيل في قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا)(١) وليس المراد من الوجدان هو القدرة العقلية على
__________________
(١) النساء ـ ٤٣.