وفي هذا القسم لا بدّ من التفصيل في الجواز والامتناع ، وذلك لأنّ العنوان الانتزاعي لا وجود له مستقلا فلا بدّ وان يكون وجوده بوجود أحد المقولات المتأصلة ، وعليه فإذا كان منشأ انتزاعه مصداق ما تعلق به التكليف الآخر فلا محالة يتحد المعنونان فيمتنع الاجتماع ، وإلّا فيجوز ، مثال ذلك ما إذا نهى المولى عبده عن القيام الّذي هو عنوان متأصل وامره بإكرام شخص ، الّذي هو عنوان انتزاعي ربما يتحقق بالضيافة ، وقد يتحقق بإعطاء المالك ، وقد يتحقق بالقيام له ، فإذا فرضنا انّ العبد أكرمه بغير القيام مثل السلام وتحريك اليد وقام مقارنا لذلك بحيث لم يكن الإكرام منتزعا منه فلا محالة يكون مطيعا وعاصيا ، وامّا لو أكرمه بالقيام فيمتنع الاجتماع لاتحاد متعلق التكليفين كما هو واضح.
ومن ثم فصلنا في الصلاة في الدار المغصوبة بين الصلاة الإيمائي بفتح العين وغمضه وبين غيرها من الصلوات التامة ، فانّ مجرد الكون في المكان ليس من اجزاء الصلاة ، وما يكون من اجزائها وهو الإيماء بالعين لا يكون تصرفا ومنشأ لانتزاع عنوان الغصب ، فتكون صحيحة.
وامّا توهم كون الذّكر أو فتح العين وغمضه تصرفا بالدقة لاستلزامه تموج الهواء مدفوع بأنّ الأمر وان كان كذلك عقلا إلّا انّ ذلك لا يعد تصرفا بنظر العرف ، ولذا لو نفخ أحد من الخارج في دار غيره لم يفعل محرما ، وهذا بخلاف الصلاة المشتملة على الركوع والسجود.
وحاصل الكلام انّ القول بجواز اجتماع الأمر والنهي مطلقا والقول بالامتناع كذلك وانّ كان هو المشهور ، إلّا انّ الصحيح هو التفصيل ، بيانه : انّ متعلق الأمر والنهي وهو فعل المكلف الّذي يكون تحت اختياره قد يكون امرا متأصلا وقد يكون امرا انتزاعيا من ماهية متأصلة ، وهو أيضا مقدور للمكلف بالقدرة على إيجاد منشئه.