وإذا عرفت هذا ففيما نحن فيه بعد ما فرضنا انّ المكلف لا يخلو امره عن أمور ثلاثة : من المكث والمشي الزائد والخروج ، وقد تعلقت الحرمة بإتيان اثنين منهما وهما البقاء والمشي الزائد ، فبالعرض يمتنع عليه ترك الخروج امتناعا شرعيا ، فالامتناع الثابت فيه امتناع شرعي عرضي ، ولا يفرق في قاعدة «الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار» بين الامتناع التكويني والامتناع الشرعي كما هو واضح.
وبهذا الجواب يظهر الحال في بقية ما استدل به قدسسره من الأمور الأربعة.
وبالجملة : بعد ما حكم العقل إرشادا إلى لزوم ترك البقاء في الدار المغصوبة والمشي الزائد فيها واختيار الخروج من باب كونه أخف المحذورين وأقل الضررين ، فلا محالة يكون فعله ضروريا وتركه ممتنعا شرعا لا تكوينا.
ثانيها : انّ الخروج واجب بحكم العقل وكما تعتبر القدرة في الإلزام الشرعي كذلك تعتبر في الإلزام العقلي ، فمن ذلك يعرف كونه مقدورا ، وإلّا لما تعلق به الإلزام العقلي.
وفيه : انّ هذا من الخلط بين التكاليف الوجوبية والتحريمية ، فانّ الممتنع في الأولى هو الفعل ، وفي الثانية هو الترك وفي المقام أيضا كذلك ، فانّ فعل أحد الضدين اللذين ليس لهما ثالث وترك الآخر لا يكون ممتنعا ، وانما الممتنع تركهما معا ، ففعل الخروج في فرض ترك البقاء والمشي الزائد لا محذور فيه ولا استحالة.
نعم المستحيل ترك الخروج في هذا الفرض ، فيمتنع النهي عنه دون الأمر به ، إذ لا مانع منه ، فانّ للمكلف ان يتركه ويختار الضد الآخر من البقاء أو المشي الزائد.
وبهذا ظهر الجواب على الوجهين الأخيرين أي الثالث والرابع ، ويرجع أحدهما إلى الآخر ، وحاصل ذلك : انّ مورد قضية الامتناع بالاختيار لا ينافي