في محل مباح وعدم الكون في ملك الغير مقدمية وتوقف. وقد عرفت انّ وجود الضد لا يكون مقدمة لعدم الضد الآخر وان كان بينهما ملازمة.
فاذن لا يتم القول بوجوب الخروج مقدميا حتى على القول بوجوب مقدمة الواجب ، لأنه ليس مقدمة لواجب ، وهذا هو الّذي وعدنا ان نبينه من عدم وجود المقتضى للأمر بالخروج.
هذا هو الوجه الأول الّذي بينه من حيث الإيجاب أعني كون الخروج واجبا.
واما ما أفاده من حيث النفي أعني عدم كون الخروج من صغريات الكبرى المعروفة : وهي انّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا ، فإذا ثبت ذلك يثبت ما اختاره قدسسره فأمور.
أحدها : انّ الامتناع بالاختيار انما يجري فيما لا يقدر المكلف على إيجاده ، والخروج فيما نحن فيه مقدور للمكلف وإلّا فكيف يلزمه العقل باختياره تقديما لأخف المحذورين ، وهل يمكن إلزام العقل بالممتنع؟ وبعبارة أخرى : المكلف انما هو مضطر إلى الجامع بين الخروج والبقاء والمشي الزائد ، فالأخيران منهما محكومان بالحرمة ، فانّ الاضطرار لم يتعلق بهما ليرفع حرمتهما ، وانما تعلق بالجامع ، نظير ما إذا اضطر المكلف إلى شرب أحد ما يعين يكون أحدهما المعين نجسا ، فانه لا يرفع حرمة النجس منهما ، والأول منها وهو الخروج أيضا باق على وجوبه لما عرفت ، فليس بممتنع لا عقلا ولا شرعا.
وفيه : انّ الامتناع بسوء الاختيار في باب الواجبات يفترق عنه في باب المحرمات وان كان يجمعهما كون العمل ممتنعا وانتهاء امتناعه إلى اختيار العبد ، فانّ امتناع الواجب انما هو بتعذر الفعل ، كما فيما مثل به من الحج الواجب إذا تعذر الإتيان به على من كان مستطيعا ، واما امتناع المحرم فهو بامتناع الترك ، كما فيمن ألقى نفسه من شاهق ، فانّ ترك الوقوع عليه ممتنع وان كان تحققه ضروريا.