واما في التخصيص بالمنفصل على هذا المسلك فلأنّ تقييد المطلق من جهة لا يستلزم إجماله ، ولم يتوهم فيه ذلك ، لأنّ عدم كون المولى في مقام البيان من جهة لا ينافي كونه في مقام البيان من الجهات الأخرى ، فلو قال «أكرم كل رجل عالم» ثم قال «لا تكرم زيد العالم» يستكشف منه عدم كون المولى في مقام بيان العموم من حيث ذاك الفرد فقط ، دون غيره من الافراد ، وهكذا لو ورد «أكرم كل عالم» ثم ورد «لا تكرم فساق العلماء» فانّ عدم كونه في مقام البيان عند ذكر العام من حيث الفسق لا ينافي كونه في مقام البيان من سائر الحيثيات.
وامّا على المختار ، فالخاص انما يزاحم العموم ويعارضه من حيث كونه مرادا جديا للافظ المعبر عنه بالحجية ، ولا يعارض المراد الاستعمالي ، فانّ العام ينحل إلى أحكام عديدة إذا كان استغراقيا ، ويكون متعددا من حيث المتعلق إذا كان عمومه مجموعيا ، والخاصّ يزاحمه في الحجية بالقياس إلى بعض الافراد فيتقدم عليه لأقوائيته. ومن الظاهر انّ رفع اليد عن حجية الدليل في بعض مدلوله لمعارضته بما هو أقوى منه أو مساو له لا ينافي حجيته في الباقي ، نظير ما إذا أخبرت البينة بأنّ جميع كتب زيد لعمرو وعلمنا من الخارج اشتباهها في كتاب مفتاح الكرامة مثلا ، فانه لا يوجب رفع اليد عن حجيتها في غيره ، بل يؤخذ بها فيه كما عليه السيرة وبناء العقلاء ، وهكذا الحال في معارضة العامين من وجه.
فتحصل : مما ذكر انّ العام المخصص حجة في تمام ما بقي على مسلك الميرزا قدسسره من كون التخصيص يرجع إلى تقييد المتعلق ، وهكذا على المختار من انّ للفظ دلالتان : إحداهما : دلالته على انّ المتكلم قصد تفهيم المعنى الّذي تعهد ذكر ذلك اللفظ عند إرادة تفهيمه ، ثانيهما : دلالته على مطابقة المراد الاستعمالي للمراد الجدي في مقابل السخر به والاستهزاء وأمثال ذلك ، وانّ المخصص انما يزاحم العام في الدلالة الثانية المعبر عنها بالحجية ، فانّ رفع اليد عن حجية العام في بعض افراده