عن سند الكتاب بالخبر ليرد ذاك الإيراد ، بل يرفع اليد عن ظاهر الكتاب بالخبر ، وكلاهما ظنيان ، فترجيح قوله «لا ربا بين الوالد والولد» على إطلاق قوله تعالى (وَحَرَّمَ الرِّبا)(١) يكون من رفع اليد عن ظني بظني آخر.
ويمكن ان يقال : انّ ذلك من قبيل ترجيح أحد القطعيين على الآخر ، بتقريب : انّ الخبر الموثق وان كان ظني الصدور إلّا انّ دليل حجيته لا بدّ وان يكون قطعيا ، فهو قطعي الحجية. وإلّا فكيف يمكن اعتماد العقلاء عليه مع عدم كونه مؤمنا؟ ومن هنا قلنا : انّ ما دل على المنع من العمل بغير العلم من الآيات والروايات كلها إرشاد إلى ما يحكم به العقل وليس شيء منها مخصصا ، فالمؤمن دائما يطلب المؤمن في اقتحامه في الأمور كما هو ظاهر قوله تعالى (الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ)(٢) فتأمل ، بخلاف المنافق فانه يرتكب كلما اقتضاه شهوته ولو لم يكن مؤمن في البين كما هو ظاهر قوله تعالى (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ)(٣) وهكذا ظهور الآية من عموم أو إطلاق وان كان ظنيا إلّا انه قطعي الحجية ببناء العقلاء ، ومن هنا لو سئل من أفتى بجواز الرّبا بين الوالد والولد عن مدركه لا يقول لأنّي ظان بالحكم الواقعي ، بل يقول لقيام الحجية القطعية على ذلك ، وهكذا العكس. فالمعارضة انما هي بين مقطوعي الحجية ، وفي الحقيقة بين دليل حجية سند الخبر وبين عموم الكتاب أو إطلاقه ، والنسبة بينهما وان كانت عموم من وجه لكنه يرجح عليه دليل حجية السند لحكومته عليه ، فانّ التعبد بصدور الخبر بنفسه يرفع الشك في العموم ، لأنه تعبد بعدمه كما هو الحال في التعبد بكل قرينة بالإضافة إلى ذيها. وهذا بخلاف العكس ، فانّ التعبد بالعموم ليس بنفسه تعبدا بعدم صدور الخبر ، نعم يدل عليه
__________________
(١) البقرة ـ ٢٧٥.
(٢) الدخان ـ ٥١.
(٣) المدثر ـ ٤٥.