ثم انّ الأمور المتحققة واقعا غير منحصرة بالموجودات الخارجية ، بل هناك موجودات نفس الأمرية ثابتة في الواقع ، وليست من قبيل الفرض الممكن متعلقة بكل شيء ، كالإمكان الثابت للأمور الممكنة ، والامتناع الثابت للأمور المستحيلة ، فانهما امران واقعيان ، وليسا مجرد اعتبار كما توهم بدعوى انّ الإمكان لو كان موجودا فلا بدّ وان يكون ممكنا أيضا وهكذا إلى ان يتسلسل ، وانّ استحالة اجتماع النقيضين لو كانت موجودة لزم وجود موضوعها وهو خلف ، فانّ وجودهما ليس وجودا خارجيا ليلزم ذلك ، بل هو وجود وتحقق نفس الأمر كما بين. ومن هذا القبيل الملازمات فانها أيضا ثابتة واقعا بين المتلازمين ، فالموجودات على قسمين : موجودات خارجية وموجودات متحققة في الواقع ونفس الأمر وان لم يكن لها ما بحذاء في الخارج ، وكل منهما قابل لتعلق العلم به كما نشاهد ذلك وجدانا. ومن الواضح انّ عدم تحقق اللازم في الخارج لعدم تحقق ملزومه لا ينافي الملازمة ولا يستدعي أن يكون العلم بها جهلا.
إذا عرفت ذلك نقول : علمه تعالى باعتبار المعلوم ينقسم على ما يستفاد من الأدلة إلى ثلاثة أقسام :
الأول : علمه المكنون الّذي استأثر به نفسه ، ولم يخبر به أحدا من خلقه لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ، وجهلهم بذلك لا يوجب منقصة فيهم ، فانّ المخلوق يستحيل ان يحيط بما أحاط به الخالق تبارك وتعالى ، وهذا هو العلم بالمشيئة.
الثاني : علمه المعبر عنه بالقضاء المحتوم ، وهو علمه بتحقق الأشياء خارجا حتما ، وقد أخبر به مخلوقاته وعباده كل بحسبه ، والأوفر حظا من ذلك أشرف مخلوقاته وهو خاتم النبيين ثم أوصياؤه المعصومون ، ويعبر عنه باللوح المحفوظ ، وهو الّذي يتنزل به الملائكة والروح في ليلة القدر على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ووصيه.
الثالث : علمه جل شأنه بالملازمات وتحقق الأشياء في الخارج لو لا المشيئة