يوجب انعدام موضوع الزكاة الثاني ، لأنّ وجوب الزكاة مشروط بان لا يكون المال مزكى في تلك السنة ، أي بعدم كونه محكوما بوجوب الزكاة فيه ، فإذا تمت السنة على النصاب الثاني لا يكون المال مما مضى عليه الحول ولم يزك بحكم الشارع ، لأنّ مقدارا منه كان مزكى شرعا ، ولا يتعلق به الزكاة في نفس الحول ثانيا ، فلا بدّ في ثبوت الزكاة الثاني من مضي الحول الثاني. هذا فأقسام التزاحم ثلاثة كما عرفت.
ويقع الكلام في ثبوت الترتب في كل منها مستقلا. وحق التقسيم ان يكون هكذا بان يقال : انه تارة يكون التزاحم بين واجبين ، وأخرى بين واجب وحرام ، وعلى الثاني ، تارة : يكون منشأ التزاحم الملازمة ، وأخرى : التوقف والمقدمية.
ويقع الكلام فعلا في تزاحم الواجبين ، فان كانا متساويين يحكم فيهما بالتخيير ، كما انه لو كان أحدهما أهم أو محتمل الأهمية يتقدم ، فهل يمكن مع بقاء إطلاق خطاب الأهم بالإضافة إلى عصيان خطاب المهم وعدمه ان يبقى خطاب المهم مشروطا بعصيان الأهم أم لا يمكن؟
وبعبارة أخرى : المولى لا يرضى بترك الأهم ويعاقب عليه مطلقا سواء أتى بالمهم أم لم يأت ، ولا يعاقب على ترك غير الأهم إذا أتى المكلف بالأهم وصرف قدرته فيه ، لأنه حينئذ يكون عاجزا عن الإتيان بالمهم ، إلّا انه هل يمكن ان يعاقب على ترك المهم أيضا عند تركه للأهم وعصيانه له أم لا؟
وقد اختلفت في ذلك كلماتهم ، وليعلم انّ إمكان الترتب مساوق لوقوعه ، فانّ التزاحم انما يقع بين إطلاق كل من الخطابين لا بين أصلهما ، فانّ لكل من الدليلين دلالتان: إحداهما الدلالة على ثبوت أصل الحكم والأخرى على إطلاقه بالقياس إلى عصيان الآخر وعدمه ، فيدور الأمر بين رفع اليد عن أصل الخطاب أو عن إطلاقه ، والمتعين هو الثاني ، لأنّ الضرورات تقدر بقدرها.