بحمل المقيد على الاستحباب أي على بيان الفرد أو الصنف الأفضل ، وهذا هو المراد من حمله على الاستحباب ، وإلّا فلا معنى لاستحباب بعض أفراد الواجب. ومن الظاهر جريان هذا الاستدلال والإيراد فيما إذا كان المقيد نافيا أيضا ، إذ لا ينحصر فيه الجمع بين الدليلين بحمل المطلق على المقيد ، إذ يمكن ذلك بحمل النهي على الكراهة وأردإ الأفراد.
وقد أجاب في الكفاية (١) عن الإيراد بأنّ ظهور الأمر في المقيد في الوجوب أقوى من ظهور الأمر في المطلق في الإطلاق. وهذا الجواب أيضا جار في المقيد المنفي ، ولكن صدوره منه عجيب ، فانه قدسسره صرح في مبحث الأوامر بأنّ التعينية والتعيينية والنفسيّة كل ذلك مستفاد من مقدمات الحكمة ، وعليه فالمعارضة في الحقيقة تكون بين إطلاقين ، ولا مرجح لأحدهما على الآخر.
والظاهر انّ جميع الوجوه المذكورة اعوجاج من غير داع ، والّذي ينبغي ان يقال في المطلق والمقيد المثبتين هو انه إذا علمنا من الخارج وحدة الحكم وان كان بحسب الدليل متعددا ، فلا مناص حينئذ من حمل المطلق على المقيد ، فانّ المقيد يكون قرينة على المطلق ، وظهور القرينة مقدم على ظهور ذيها بلا شبهة ، والشاهد على قرينيته فرضهما في كلام واحد متصل ، فان قال متصلا «اشتر لي دارا أو اشتر لي دارا جامعة لخصوصيات كذا» فانّ العرف يفهم انّ مراده هو المقيد ، إذ لا فرق بين المتصل والمنفصل إلّا انّ الأول مانع عن انعقاد الظهور والثاني عن حجيته. ولا مجال في هذا الفرض لتوهم دوران الأمر بين رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب أو المطلق في الإطلاق ، فانّ المفروض قرينية المقيد على المطلق. وهذا كله واضح ، وانما المهم هو انه هل يمكن استفادة وحدة الحكم من نفس الدليلين أم لا يمكن؟
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٣٩٣.