والّذي ينبغي أن يقال : هو انّ المستحب المقيد يتصور على أقسام : فانه تارة : يكون له مفهوم ينفي الحكم المطلق ، كما لو ورد في دليل «صم أول الشهر» وفي دليل آخر «إذا كان الهواء باردا صم أول الشهر» فانّ مفهومه عدم وجوب الصوم إذا لم يكن الهواء باردا ، وفي هذا الفرض يحمل المطلق على المقيد ، لأنّ الإطلاق كان متوقفا على عدم البيان ، والمفهوم نعم البيان على انّ المراد لم يكن مطلقا بل كان مقيدا.
وأخرى : لا يكون للمقيد مفهوم. وهذا ينقسم إلى قسمين : لأنّ فيه امّا ان يكون متعلقا بالحصة من الطبيعي المطلق ، وامّا يكون متعلقا بالتقيد. وعلى الأول منهما لا يحمل المطلق على المقيد أصلا ، لا لما ذكر من الوجوه الفاسدة ، بل لأنّ المقيد لم يتعلق به إلزام من قبل المولى على الفرض ليكون منافيا مع بقاء الأمر بالمطلق ويلزم حمله على الحكم التخييري بالبيان المتقدم في الواجبات ، أو رفع اليد عن إطلاقه بالحمل على المقيد ، أو حمل الأمر بالمقيد على بيان أفضل الأفراد ، بل يجوز ترك المقيد رأسا فيكون الطبيعي المطلق مستحبا والمقيد أيضا مستحبا ، فقهرا يكون هو أفضل الأفراد. والسر فيه ظاهر ، فانّ حمل المطلق على المقيد في باب الواجبات انما كان من جهة التنافي بين الإلزام بالمقيد وبقاء المطلق على حاله لما عرفت من انّ الإطلاق انما هو رفض القيود وإلغائها وهو ينافي الأمر ببعضها ، وامّا في المستحبات فلا إلزام بالمقيد ، بل يجوز ترك الطبيعة مطلقا ، فلا تنافي بينهما أصلا ، ولذا لا مانع من التصريح بالإطلاق والأمر بالمقيد في كلام واحد. هذا فيما إذا كان الأمر بالمقيد.
وامّا إذا كان الأمر بالتقيد فيحمل المطلق عليه ، وذلك لما عرفت من ظهور الأمر المتعلق بخصوصيات المركب أو المقيد في الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية ، وبعبارة أخرى : الأمر في نفسه ظاهر في الإلزام غايته انّ الإلزام تارة : يكون نفسيا ، وأخرى : شرطيا ، وفي المقام الإلزام النفسيّ غير مراد من الأمر بالتقيد قطعا ، فلا