لم يأت إلّا بواجب واحد ، لأنّ الآخر كان وجوبه مشروطا بعدم الإتيان بذاك ، فيعلم من ذلك عدم تعلق الأمر بهما بنحو يلزم منه طلب الجمع ، ونمثل لتوضيح ما ذكرناه بمثالين أحدهما عرفي ، والآخر شرعي.
امّا العرفي فيما إذا امر الوالد ولده بالمطالعة وامره بالكتابة على تقدير عدم المطالعة ، ومثل هذين الأمرين كثيرا ما يصدر منا ، وبالوجدان نرى انّ لنا طلبين مولويين لا إرشاديان إلى ثبوت ملاكين ، فإذا أتى الولد بالمطالعة يكون مطيعا ، وان فات منه ملاك الكتابة إلّا انه مستند إلى عجزه لا إلى اختياره ، واما لو تركهما معا يكون معاقبا عندنا بعقابين.
واما المثال الشرعي فيما لو فرضنا انّ السفر على شخص كان واجبا والإقامة كانت محرمة عليه حدوثا وبقاء ، فدائما يكون مأمورا بالسفر ويقال له لا تنو الإقامة ، ولكن إذا فرضنا انه عصى ونوى الإقامة فهل يكون مكلفا بالصوم في شهر الصيام وبإتمام الصلاة مع ثبوت المضادة بينهما وبينه أم لا؟ من البديهي كونه مكلفا بذلك ، ولا يتم هذا إلّا بالترتب بان يقال له لا تنو الإقامة وان عصيت فصم وأتم صلاتك فالترتب لا بدّ من الالتزام به في مثل المقام ، فتأمل.
وبما بيناه ظهر انّ الشرط في الترتب ليس هو العصيان حدوثا وإلّا لزم منه طلب الجمع بين الضدين لو تحقق العصيان آناً ما ، بل العصيان حدوثا وبقاء ، ففي كل آن يكون الأمر بالأهم ثابتا يتبعه الأمر بالمهم مشروطا بعصيان ، فدائما يكون الأمر بالمهم مشروطا حتى في فرض تحقق العصيان ، لأنّ المشروط لا ينقلب مطلقا بعد فعلية شرطه ، فأين طلب الجمع بين ضدين؟
وتوهم المنكرين للترتب عمدته ناشئ من ذلك ، ويندفع ذلك بما بيناه من اشتراط الأمر بالمهم دائما وفي كل آن بعصيان الأهم ، فلا يلزم منهما التنافي وطلب الجمع بين ضدين.