حكم العقل أصلا ، كما لا يخفى على أهل الفن ، هذا مضافا إلى إن العقل إذا كان حاكما فلا معنى لأن يكون الحاكم مترددا في حكمه كي يتبين حكمه على نحو الاجمال والاهمال.
أما بحسب الأسباب فلا تفاوت بنظره فيها أي سواء كان سبب الظن أمارات أم كان شهرة ، أو إجماعا ، أو سيرة ، أو غلبة لأن المناط في حكم العقل بلزوم العمل بالظن هو كونه أقرب إلى الواقع من الشك والوهم ، ولا يخفى إن هذا المناط لا يختلف باختلاف أسباب الظن.
نعم : تتفاوت بنظر العقل الموارد لاختلافها من حيث مزيد الاهتمام وعدمه فيمكن التفكيك بينها في وجوب الاحتياط ، وذلك كالدماء والفروج والأموال الخطيرة بل في كل حقوق الناس ، وعدمه كما في غير هذه الثلاثة المذكورة ففي كل مورد علم مزيد الاهتمام فيه فلا تكفي الاطاعة الظنية ، بل يجب فيه الاحتياط بفعل الواجب وترك الحرام ما دام لم يلزم منه العسر والحرج ، أو الاختلال بالنظام ، وفي كل مورد لم يعلم مزيد الاهتمام فيه لا يجب فيه الاحتياط بل تكفي الاطاعة الظنية فيه ، وكذا تتفاوت مراتب الظن من حيث القوة والضعف فيمكن التفكيك بينها في وجوب الاحتياط في الأول ، وعدمه في الثاني أيضا ، مثلا : الظن الحاصل من الخبر الصحيح أو الموثق أقوى من الظن الحاصل من الاجماع المنقول والظن الحاصل منه أقوى من الظن الحاصل من الشهرة الفتوائية.
فتحصّل ممّا ذكر أنه لا إجمال بنظر العقل بين موجبات الظن وأنه لا فرق بنظره بين أسباب الظن كي يفتّش العقل عن المرجح ويقدّم الراجح على المرجوح وحتى يتحيّر العقل في حكمه قبل وصوله بالمرجح.
وأما جهة عدم الاجمال بنظر العقل بحسب المورد فيمكن أن يقال إن العقل يحكم بكفاية الاطاعة الظنية في الموارد التي لم يعلم فيها مزيد اهتمام الشارع