الانسداد كما يقبح تجاور المأمور عنه ـ أي عن الظن ـ إلى غيره ـ أي إلى غير الظن ـ حاله أي حال الانسداد مع نهي الشارع المقدّس عن العمل بالقياس إذا حصل منه الظن ، أو حصل منه الاطمئنان.
ومع عدم تجويز الشارع المقدّس العمل على طبقه فإن المنع عن العمل بالشيء الذي قد أمضاه العقل من الظن ، أو خصوص الاطمئناني من الظن لو فرض ممكنا لجرى المنع في غير القياس فلا يكون العقل مستقلا بحجية الظن ، أو الاطمئناني من الظن في حال الانسداد ، إذ من الممكن أن ينهى الشارع المقدّس عن العمل على طبق الأمارة الكذائية كما نهى عن العمل على طبق الظن الحاصل من القياس ، ولكن اختفى نهيه علينا وليس الدافع بموجود عن هذا الاحتمال إلّا كون النهي عن اتباع الظن ، أو عن اتباع الاطمئناني منه قبيحا عليه ، إذ احتمال صدور ممكن بالذات عن الحكيم تعالى شأنه ، لا يرتفع عقلا إلّا بقبحه أي بقبح ممكن بالذات مثلا ، عقاب غير المذنبين أمر ممكن ذاتا عن الحكيم المطلق والقادر المطلق ولكن قبحه مانع عن صدوره من المولى الجليل جلّ جلاله ، لأنه ظلم عليهم.
وعليه : فإذا لم يكن المنع عن العمل على طبق الظن القياسي قبيحا فلم يكن المنع عن العمل على طبق مطلق الظن غير الظن القياسي قبيحا فلو فرضنا القبح عن المنع على طبق الظن غير القياسي لفرضنا القبح عن النهي على طبق الظن القياسي.
والحال إن النهي عن العمل على طبق الظن القياسي ليس بقبيح أصلا فليس المنع عن العمل على طبق الظن غير القياسي بقبيح ، إذ ينتج رفع التالي رفع المقدم كما في نحو لو كان هذا الشيء إنسانا لكان حيوانا لكنه ليس بحيوان فينتج إنه ليس بانسان ، كما لا يخفى.
والسّر في هذا القول هو القاعدة المشهورة بين الفلاسفة والمتكلمين رحمهمالله إن حكم العقل غير قابل للتخصيص ، أما ما نحن فيه فيكون من مصاديق هذه القاعدة