الاقدام عليه كالاقدام على متيقن المفسدة ويدل عليه شهادة الوجدان ، أولا لأنا إذا راجعنا إلى وجداننا نجد جواز الاقدام على محتمل المفسدة وذلك كالركوب في الطيارة والسيارة مثلا وإن احتملنا السقوط والتصادف ، ويدل على جواز الاقدام ثانيا مراجعة ديدن العقلاء بما هم من أهل الملل والأديان حيث إنهم لا يحترزون مما لا تؤمن مفسدته وحيث إنهم لا يعاملون مع محتمل المفسدة معاملة ما علم مفسدته أي لا يجعلون محتمل المفسدة مثل المتيقن من حيث المفسدة ، ويدل على هذا الأمر سفرهم في البلاد القريبة والنائية والدول المتعددة للتجارة ، أو للسياحة.
والحال : إنه يحتمل هلاك أنفسهم وغارة أموالهم في هذه الأسفار وهذا أدل دليل على إن العقلاء لا يعاملون مع محتمل المفسدة معاملة متيقن المفسدة كيف يعاملون معه معاملته.
والحال : قد أذن الشارع المقدس بالاقدام على محتمل المفسدة بقوله المبارك كل شيء لك حلال حتى تعرف إنه حرام فتدعه فشرب التبغ حلال لأنه غير معلوم الحرمة وغير معروف الحرمة.
ويستفاد من إذن الشارع المقدس في ارتكاب غير معلوم الحرمة عدم قبح الارتكاب عقلا لأن الشارع المقدس لم يأذن بارتكاب القبيح العقلي أصلا تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
قوله فتأمل ...
وهو إشارة إلى إنه لو تمسكنا بإذن الشارع المقدس في الاقدام على ما لا يؤمن مفسدته واستكشفنا بذلك عدم قبحه عقلا لسقطت البراءة العقلية ، وهي قبح العقاب بلا بيان ، عن كونها أصلا مستقلا برأسه بل نحتاج فيها إلى ترخيص الشارع المقدس ، وهذا كما ترى ، إذ البراءة العقلية أصل مستقل برأسه والحاكم بقبح العقاب بلا بيان عقل مستقلا.