يستنبط منها حكم شرعي فرعي كلّي مع ضم الصغرى إليها المأخوذة من إحدى الأدلة الأربعة. مثلا مقدمة الواجب المطلق واجبة تكون إحدى مسألة من مسائل علم الاصول لوقوعها كبرى القياس الذي أنتج حكما فرعيا كليّا. وعليه يقال الوضوء مقدمة الواجب المطلق ، وكلّ مقدمة الواجب المطلق واجب. نتيجة فالوضوء واجب. وكذا سائر مسائله حرفا بحرف.
ولكن القطع لا يقع كبرى القياس الذي أنتج حكما فرعيا كليّا ، فلا يصح أن يقال هذا المائع مقطوع الخمرية ، وكلّ مقطوع الخمرية حرام. نتيجة فهذا المائع حرام إذ لا يصح جعل القطع جزء الموضوع لأنّ الحرمة مترتبة على ذات الخمر من حيث هو خمر لا على معلوم الخمرية. ولهذا يقال الخمر حرام ولا يقال معلوم الخمرية حرام ، فليس القطع بالموضوع حدا وسطا للقطع بالحكم الفرعي الكلّي.
فانقدح أنّ القطع بأقسامه سواء كان متعلقا بالموضوع أم كان متعلقا بالحكم لا يقع في طريق الاستنباط للحكم الفرعي الكلّي.
وأمّا وجه كون مباحث القطع أشبه بمسائل علم الكلام باعتبار أنّ مرجع البحث عن حجية القطع إلى صحة عقاب المولى على مخالفته ، فالعقاب فعل من أفعاله جلّ وعلا ، وهو يناسب ويشابه بمسائل إلهيّات علم الكلام ؛ ، إذ يبحث فيها عن أفعال الله تعالى وما يصحّ عنه وما لا يصحّ عنه. وكلّ ما كان له فائدة فيصح صدوره عنه جلّ وعلا ، وكلّ ما ليس له فائدة لا يصحّ صدوره عنه عزّ اسمه.
وأمّا وجه شدة مناسبة بعض أحكامه مع المقام ، فيقال : ان المناسب هو البحث في هذا المقصد عن أحكام الأمارات ولوازمها. فالمناسب هو البحث عن أحكام القطع ولوازمه ، لأنّه أكمل الطرق وأقواها إلى الواقع ، فهذه الأكملية موجبة لشدة المناسبة مع البحث عن أحكام الأمارات من المنجزية عند الإصابة والمعذرية عند الخطاء ، والطريقية إلى الواقع لأنها موجودة فيه بطريق أولى وأكمل.