ولذلك قال تعالى : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً)(١). وقوله : (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ)(٢). وقد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام كالاستفهام والأمر والدعاء ، وذلك نحو قول القائل : أزيد في الدار؟ فإنّ في ضمنه إخبارا بكونه جاهلا حال زيد. وكذا إذا قال : واسني ؛ فإنّ في ضمنه أنه محتاج إلى المواساة. وإذا قال : لا تؤذني ، ففي ضمنه أنه يؤذيه ، قاله الراغب (٣) وفيه نظر من حيث إنّ التصديق والتكذيب لم يردا على معنى الاستفهام وما بعده إنما وردا على ما هو لازم له ، ولا كلام في ذلك فلم يصحّ أن يقال إنهما وردا على غير الخبر.
واختلف الناس في الصدق ؛ فقيل : هو مطابقة الخبر للمخبر عنه في نفس الأمر ، وفي اعتقاد المخبر ، وإليه نحا الراغب فقال : والصدق مطابقة القول المضمر والمخبر عنه معا.
ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا بل إمّا لا يوصف بالصدق ، وإما أن يوصف تارة بالصدق ، وتارة بالكذب على نظرين مختلفين كقول الكافر دون اعتقاد : محمد رسول الله ، فإنّ هذا يصحّ أن يقال : صدق لكون المخبر عنه كذلك ، وأن يقال : كذب لمخالفة قوله ضميره : وللوجه الثاني إكذاب (٤) الله المنافقين حيث قالوا : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ)(٥) فقال : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(٦) انتهى. وقد أجيب عنه بأنّ المعنى في تسميتها شهادة قوله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ)(٧) أي حقّق رؤيته. فهذا أصدق بالفعل وهو التحقيق. قوله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ)(٨) أي حقّق ما أورده قولا بما تحرّاه فعلا ، ويعبّر عن كلّ فعل فاضل ظاهرا وباطنا بالصدق ، فيضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به كقوله تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ)(٩). وقوله تعالى : (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ
__________________
(١) ٨٧ النساء : ٤.
(٢) ٥٤ مريم : ١٩.
(٣) المفردات : ٢٧٧.
(٤) في الأصل : أكذب.
(٥) ١ المنافقون : ٦٣.
(٦) تتمة الآية السابقة.
(٧) ٢٧ الفتح : ٤٨.
(٨) ٣٣ الزمر : ٣٩.
(٩) ٥٥ القمر : ٥٤.