«ماله شجاع أقرع فيطوّق به» (١) وأصل الطّوق يجعل في العنق خلقة كطوق الحمامة ، أو صنعة كطوق الذهب. ثم يجعل عبارة عن الأشياء اللازمة فيقال : طوّقني فلان منّته ونعمته ، أي جعلها بمنزلة طوق في عنقي. وفي المثل : «شبّ عمرو عن الطّوق» هو عمرو ابن أخت جذيمة كان له طوق من ذهب ، فلما اختطف وعاد لخاله في حكاية طويلة جيء بالطوق فضاق عنه. فقال جذيمة : شبّ عمرو عن الطوق ، فصارت مثلا لمن كبر عن شيء.
قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ)(٢) أي يقدرون عليه ، من أنّ أطاق كذا يطيقه إطاقة. وطاقة كطاعة من أطاع. وقرئ : يطوّقونه من الطّوق وهو القدرة. وقرئ : يطيّقونه وفي الحرف قراءات توجيهها فيما هو أليق بها من هذا (٣). قوله : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ)(٤). قيل : الطاقة : اسم لما يقدر الإنسان أن يفعله بمشقّة ، وذلك تشبيه بالطّوق المحيط بالشيء. فمعنى الآية : لا تحمّلنا ما يصعب علينا مزاولته. وليس معناه : لا تحمّلنا ما لا قدرة لنا به ، وذلك لأنّه تعالى قد يحمّل الإنسان ما يصعب عليه ، كما قال تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ)(٥)(وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ)(٦) أي خفّفنا عنك العبادات الصعبة التي في تركها الوزر ؛ قاله الراغب (٧) وهو حسن ، وينفعنا هذا في مسألة تكليف ما لا يطاق ؛ وهو أنّ بعضهم استدلّ بها على جوازها (٨) منه. قال : لأنه لو لم يكن
__________________
(١) النهاية : ٣ ١٤٣ ، وروايته فيه : «يطوّق ماله شجاعا أقرع».
(٢) ١٨٤ البقرة : ٢.
(٣) «يطيقونه» يعني الصيام. وروى الأخفش قراءة «يطوّقونه» أي يتكلفون الصيام ، ولم يعزها ، بينما ابن خالويه عزاها إلى مجاهد ، وجعلها الطبري إلى ابن عباس وعكرمة وابن جبير وعائشة وعطاء مع مجاهد. وذكر ابن خالويه قراءة «يتطوّقونه» لعطاء عن ابن عباس ، وقراءة «يطيّقونه» قراءة مجاهد عن ابن عباس ، وفيه أيضا قراءته «يطّيّقونه» (معاني القرآن للأخفش : ١ ٣٥١ ، ومختصر الشواذ : ١١ و ١٢ ، وتفسير الطبري : ٣ ٤١٨ و ٤٢٩ و ٤٣٠). ويعلق ابن منظور تعليقا حسنا يقول : «ومن الشواذ قراءة ابن عباس ومجاهد وعكرمة (وعلى الذين يطوّقونه ، ويطّوّقونه ، ويطيّقونه ، ويطّيّقونه) ؛ فيطوّقونه يجعل كالطوق في أعناقهم. ويطّوّقونه أصله يتطوّقونه فقلبت التاء طاء وأدغمت في الطاء. ويطيّقونه أصله يطيوقونه فقلبت الواو ياء ..» (اللسان ـ طوق).
(٤) ٢٨٦ البقرة : ٢.
(٥) ١٥٧ الأعراف : ٧.
(٦) ٢ الشرح : ٩٤.
(٧) المفردات : ٣١٢. وفي الأصل : قال الراغب ، فما سبق للراغب وما لحق تعليق المصنف.
(٨) وفي ح : جواز.