لعدم قيام دليل قطعي على اعتبارها ، والظن به لو كان ، فالكلام الآن في إمكان التعبد
______________________________________________________
المعنيين بنوا على إمكانه بذاك المعنى ، وهذا الكلام في الحقيقة تعريض ؛ بل ردّ على الشيخ الأنصاري «قدسسره».
فلا بد أولا : من بيان ما أفاده الشيخ الأنصاري «قدسسره».
وثانيا : من ذكر ما أفاده المصنف في ردّه.
وأما ما أفاده الشيخ «قدسسره» فقال ـ بعد ذكره استدلال المشهور على الإمكان «بأنّا نقطع بأنه لا يلزم من التعبد به محال» ـ ما هذا لفظه : «وفي هذا التقرير نظر ؛ إذ القطع بعدم لزوم المحال في الواقع موقوف على إحاطة العقل بجميع الجهات المحسنة والمقبحة ، وعلمه بانتفائها ، وهو غير حاصل فيما نحن فيه ، فالأولى أن يقرّر هكذا : إنا لا نجد في عقولنا بعد التأمل ما يوجب الاستحالة ، وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالإمكان» ، وظاهر كلامه هذا : أن الإمكان أصل متبع عند العقلاء عند الشك في إمكان شيء وامتناعه ، فجعل الشيخ «قدسسره» الأصل عند الشك في الإمكان هو الإمكان ، وحكم بأن طريقة العقلاء هو الحكم بإمكان الشيء الذي لا يجدون وجها على استحالته».
هذا بيان ما أفاده الشيخ الأنصاري «قدسسره».
وقد أورد عليه المصنف «قدسسره» بوجوه :
الأول : هو المنع من ثبوت سيرة العقلاء على ترتيب آثار الإمكان عند الشك في إمكان شيء وامتناعه. وهذا ما أشار إليه بقوله : «لمنع كون سيرتهم على ترتيب آثار الإمكان عند الشك فيه».
هذا مضافا إلى أنه لو ثبت ما نسبه إلى العقلاء لكان ذلك في مورد الإمكان الاحتمالي ، وقد عرفت : أنه خارج عن مورد البحث ، وما هو محل الكلام هو الإمكان بالمعنى الثاني ـ أعني : الإمكان الوقوعي ـ وليس هنا أصل عقلائي.
فالمتحصل : أن النزاع في الإمكان بالمعنى الثاني ، ولا يثبت إلا بالبرهان لا بالأصل العقلائي.
الثاني : منع حجية سيرة العقلاء على تقدير ثبوتها. بمعنى : أن السيرة ـ على تقدير ثبوتها ـ لا اعتبار لها ؛ لعدم دليل قطعي على حجيتها ، والظن باعتبارها لا يكفي في الحجية ؛ لأن الشأن في اعتبار الظن ، فلا يمكن إثبات حجية الظن بالظن بالحجية لاستلزامه الدور. هذا ما أشار إليه بقوله : «ومنع حجيتها لو سلم ثبوتها».