نعم ؛ لو قيل باستتباع (١) جعل الحجية للأحكام التكليفية أو بأنه لا معنى لجعلها إلا جعل تلك الأحكام ، فاجتماع حكمين وإن كان يلزم ، إلا إنهما ليسا بمثلين أو ضدين ؛ لأن أحدهما طريقي عن مصلحة في نفسه موجبة لإنشائه الموجب للتنجز ، أو
______________________________________________________
(١) إشارة إلى أحد القولين في باب حجية الأمارات اللذين بني عليهما إشكال اجتماع الحكمين. وقوله «نعم» استدراك على ما ذكره في الجواب عن الإشكال الأول والثاني من عدم لزوم المحذور الخطابي والملاكي ، والمقصود من هذا الاستدراك : الإشكال ثانيا على وقوع التعبد بالأمارات غير العلمية ؛ بلزوم محذور اجتماع حكمين مثلين أو ضدين أيضا ، وهذا الإشكال مبني على أحد وقولين. وتوضيحه : أن في باب حجية الأمارات غير العلمية قولين آخرين :
أولهما : أن الحجية التي هي من الأحكام الوضعية وإن كانت قابلة للجعل بنفسها ؛ لكنها مستتبعة لأحكام تكليفية ؛ كوجوب العمل بمؤدى الأمارة.
ثانيهما : أن الحجية غير مجعولة بنفسها ؛ ولكنها مجعولة بتبع جعل منشأ انتزاعها أعني : الأحكام التكليفية. وهو وجوب العمل كما هو مذهب الشيخ الأنصاري «قدسسره». فالحجية نظير الملكية في انتزاعها من جواز تصرف المالك في ماله وعدم جواز تصرف غيره فيه بدون إذنه ، وكانتزاع الزوجية من جواز الاستمتاع ووجوب الإنفاق وغيرهما من أحكامها ، فحجية الأمارات منتزعة من جعل الشارع المؤدى هو الواقع.
وبناء على كل من هذين القولين : يلزم اجتماع الحكمين المثلين أو الضدين ؛ وذلك لأن الأمارة غير العلمية إذا قامت على وجوب صلاة الجمعة مثلا ، وفرض وجوبها واقعا اجتمع فيها وجوبان ؛ أحدهما : وجوبها واقعا ، وثانيهما : وجوب مؤدى الطريق ، ومن المعلوم : أن اجتماع المثلين ممتنع كاجتماع الضدين فيما إذا فرض عدم وجوبها واقعا ، فلا يمكن التعبد بالطريق غير العلمي حذرا عن المحاذير المتقدمة.
وقد أجاب المصنف عن هذا الإشكال بما حاصله : إن الحكم على قسمين :
الأول : حقيقي ناش عن مصلحة أو مفسدة في متعلقه ، بناء على مذهب مشهور العدلية من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلقات.
الثاني : طريقي ناش عن مصلحة في نفس الحكم لا في متعلقه ؛ كالأوامر الامتحانية في عدم مصلحة في متعلقاتها. وحينئذ : فحيث إن الأمر الطريقي غير كاشف عن مصلحة في متعلقه ، ولا عن إرادة له ؛ بل المصلحة في جعل نفس الطريقية للأمارة ، والحكم الحقيقي كاشف عن المصلحة والمفسدة والإرادة والكراهة في نفس متعلقه ؛ لم