فلا محيص (١) في مثله (٢) إلا عن الالتزام بعدم انقداح الإرادة أيضا كما في المبدأ الأعلى ؛ لكنه لا يوجب الالتزام بعدم كون التكليف الواقعي بفعلي ، بمعنى : كونه على صفة ونحو لو علم به المكلف لتنجز عليه ؛ كسائر التكاليف الفعلية التي تتنجز بسبب القطع بها ، وكونه فعليا إنما يوجب البعث أو الزجر في النفس النبوية أو الولوية ؛ فيما إذا لم ينقدح فيها الإذن لأجل مصلحة فيه.
______________________________________________________
(١) هذا هو الجواب الثالث عن محذور اجتماع الحكمين ، أو طلب الضدين ، وهو جواب عن محذور الاجتماع في جميع الأحكام الظاهرية ، سواء ثبتت بالأمارة أم بالأصل.
(٢) أي : في مثل بعض الأصول ، وأشار بقوله : «في مثله» إلى جريان الوجه الذي سيذكره في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ـ في غير أصالة الإباحة ؛ بل كل حكم ظاهري نفسي ، سواء كان في الأمارات على القول به ، أم في غيرها كالاستصحاب على ما يظهر منه «قدسسره» في باب الاستصحاب من التزامه بجعل الحكم المماثل.
وكيف كان ؛ فمحصل مرامه في هذا الجمع هو إنكار انقداح الإرادة والكراهة في بعض المبادئ العالية ، وتوقفه على عدم الإذن لمصلحة فيه ؛ لما عرفت : من أنه على تقدير انقداحهما يلزم اجتماع النقيضين ، فضلا عن اجتماع الضدين في نفس الحكمين ؛ لتضاد الإباحة مع الحرمة أو الكراهة ، ومناقضة الإرادة أو الكراهة مع الإباحة لعدمهما المنكشف بالإباحة الظاهرية. وبالجملة : فلا بعث ولا زجر في الحكم الواقعي ولا تنجز له أيضا ، وفعليته ـ أي : تنجزه ـ معلقة على قيام الأمارة عليه.
وأما الحكم الظاهري : فهو فعلي حتمي ، فيجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بأن كلا الحكمين فعلي ، غاية الأمر : أن الواقعي فعلي تعليقي ، والظاهري فعلي حتمي ، ولا مضادة بينهما ؛ لاختلاف رتبتهما ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٢٣١».
وكيف كان ؛ فقوله : «فلا محيص في مثله إلا عن الالتزام» إشارة إلى الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري الذي يجري في موارد الأصول والأمارات على حد سواء ، وحاصله : عدم كون الأحكام الواقعية فعلية ، فلا تكون معها إرادة أو كراهة كما أشار إليه بقوله : «بعدم انقداح الإرادة أو الكراهة في بعض المبادئ العالية» كالنبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» والولي «عليهالسلام» «أيضا ، كما في المبدأ الأعلى» كالله تعالى ، فلا يلزم اجتماع إرادة وكراهة ، ولا إيجاب وتحريم واقعيين. وبهذا يرتفع الإشكال في الجمع بين الأصول والأمارات وبين الأحكام الواقعية المنافية لهما.