الأصول والأمارات فعليا ؛ كي يشكل تارة : بعدم لزوم الإتيان حينئذ بما قامت الأمارة على وجوبه ، ضرورة : عدم لزوم امتثال الأحكام الإنشائية ما لم تصر فعلية ، ولم تبلغ مرتبة البعث والزجر ، ولزوم الإتيان به مما لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان.
______________________________________________________
الحكم الواقعي على الفعلي التعليقي ، الذي لو علم به لتنجز ، والظاهري على الفعلي التنجيزي ـ أنه لا يلزم من التعبد بالأمارات غير العلمية الالتزام بعدم كون الحكم الواقعي في مورد الأصول والأمارات فعليا ، والالتزام بأنه شأني ؛ كما أفاده الشيخ الأنصاري في الرسائل في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي بقوله : «الثاني : أن يكون الحكم الفعلي تابعا لهذه الأمارة ... إلى أن قال ... فالحكم الواقعي فعلي في حق غير الظان بخلافه ، وشأني في حقه ...». «دروس في الرسائل ، ج ١ ، ص ١١٧».
والحاصل : إن مراد المصنف من نفي فعلية الحكم الواقعي ليس نفي الفعلية بكلا معنييها المتقدمين ، والالتزام بالشأنية كما ذكره الشيخ «قدسسره» ؛ بل مراد المصنف من نفي الفعلية : نفي الفعلية التنجيزية ، وإثبات الفعلية التعليقية ، وهي بمعنى لو علم به لتنجز.
والمتحصل : أن ما أفاده الشيخ «قدسسره» من حمل الأحكام الواقعية على الإنشائية يستلزم ورود إشكالين عليه ، أشار إلى أولهما بقوله : «تارة : بعدم لزوم الإتيان ...» الخ. وإلى ثانيهما : بقوله : «وأخرى : بأنه ...» الخ.
وحاصل الإشكال الأول : أن لازم الإنشائية عدم لزوم امتثال مؤديات الأمارات ؛ إذ المفروض : كون مؤدياتها أحكاما إنشائية ، ومن المعلوم : أن الحكم الإنشائي لا يجب عقلا امتثاله إذا علم به ، فضلا عما إذا قامت عليه الأمارة غير العلمية ، ومن البديهي خلافه ؛ للزوم امتثال مؤديات الأمارات.
وأما الإشكال الثاني فحاصله : احتمال اجتماع المتنافيين ، حيث إن المحتمل فعلية الحكم الواقعي الذي يكون في مورد الأصل أو الأمارة ، والمفروض : فعلية الحكم الظاهري أيضا ، فيلزم اجتماع الحكمين الفعليين المتنافيين ، واحتمال المتنافيين كالقطع بثبوتهما محال. ولازم هذا الإشكال : عدم جواز الرجوع إلى الأمارات والأصول إلا مع القطع بعدم فعلية الحكم الثابت في موردهما ، ودعوى هذا القطع مما لا وجه لها ؛ لاحتمال تمامية مقتضى الحكم وعدم مانع له ؛ إذ لا إحاطة لنا بمقتضيات الأحكام وموانعها ، فاحتمال وجود المقتضي وعدم المانع بالنسبة إلى الحكم الواقعي المساوق لفعليته لا دافع له ، ومعه لا يمكن الرجوع إلى الأمارات والأصول ؛ وذلك لاحتمال اجتماع الحكمين الفعليين المتنافيين ، وهو في الاستحالة كالقطع بثبوتهما.