المسألة ليس عن دليلية الدليل ؛ بل عن حجية الخبر الحاكي عنها ، كما لا يكاد يفيد عليه تجشم دعوى أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنة ـ وهي قول الحجة أو فعله أو تقريره ـ هل تثبت بخبر الواحد ، أو لا تثبت إلا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة؟
فإن التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الإخبار بها ليس من عوارضها ؛ بل من عوارض مشكوكها (١) ، كما لا يخفى.
مع أنه (٢) لازم لما يبحث عنه في المسألة من (٣) حجية الخبر ، والمبحوث عنه في
______________________________________________________
أما توضيح الوجه الأول : فإن ضابط المسألة الأصولية كغيرها ـ وهو ما يكون نفس محمول المسألة من عوارض موضوع العلم ؛ وإلا فلا يكون من مسائله ـ لا ينطبق على مسألة حجية خبر الواحد ؛ وذلك لأن البحث عن ثبوت السنة بالخبر بحث عن عوارض السنة المشكوكة ؛ لا عن نفس السنة الواقعية ، فقولنا : «هل خبر الواحد حجة أم لا؟» معناه : أنه هل تثبت السنة المشكوكة بخبر الواحد أم لا؟ ومن المعلوم : أن موضوع علم الأصول هو السنة الواقعية لا المشكوكة ، وحينئذ : فما يكون من الأدلة ـ وهو السنة الواقعية ـ لا يكون حجية الخبر من عوارضه ، وما يكون حجية الخبر من عوارضه ـ وهو السنة المشكوكة ـ لا يكون من الأدلة ، فلا يكون البحث عن حجية الخبر بحثا عن عوارض موضوع علم الأصول ، حتى يكون من مسائله.
(١) هذا الضمير والضمائر الأربعة المتقدمة راجعة على السنة.
(٢) أي : مع أن التعبد بثبوت السنة لازم لما هو المبحوث عنه وهو الحجية ، والملاك الذي تعد به المسألة من مسائل العلم هو : كون نفس المبحوث عنه من عوارض الموضوع ، لا أن يكون لازمه من العوارض.
وتوضيح هذا الوجه الثاني : أن الضابط في كون قضية من مسائل علم هو : أن يكون نفس المبحوث عنه ـ أعني : المحمول في تلك القضية ـ من عوارض موضوع العلم ، فلا تعد تلك القضية من مسائل العلم إذا كان لازم محمولها من عوارض موضوع العلم ، فإذا كان هناك قضية ، وكان لازم محمولها من عوارض موضوع العلم لم تعد تلك القضية من مسائل ذلك العلم ، والمقام كذلك ، فإن المبحوث عنه هو حجية الخبر ومن لوازمها ثبوت السنة ، فليس ثبوت السنة بالخبر في مسألة حجية الخبر نفس المبحوث عنه ، وإنما هو من لوازمه.
(٣) بيان للموصول في «لما يبحث» ، وضمير «عنه» راجع على الموصول ، يعني : أن التعبد بثبوت السنة لازم لحجية الخبر الذي يبحث عنه في هذه المسألة.