ومنها : آية الكتمان : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا)(*) الآية.
______________________________________________________
أم غيره ، ومن المعلوم : أن الرواية التي لا تتضمن حكما إلزاميا ليس فيها إخبار عن العقاب ؛ حتى يكون إنذارا ، أو إشارة إلى أن وجوب الحذر مترتب على الإنذار الواجب ؛ لا على مجرد صحة الإنذار ، ومن المعلوم : عدم وجوب الإنذار على الرواة من حيث إنهم رواة كعدم وجوبه على نقلة الفتاوى ، والمفروض : وجوب الحذر في خصوص ما إذا وجب الإنذار ؛ دون ما إذا صح وإن لم يكن واجبا.
خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدسسره»
يتلخص البحث في أمور :
١ ـ ما يتوقف عليه الاستدلال بآية النفر على حجية خبر الواحد وهو حسب ما يلي :
الأول : أن يكون المراد من النفر : هو النفر إلى طلب العلم لا إلى الجهاد.
الثاني : أن يكون المراد من الإنذار : إنذار كل واحد من النافرين قومه لا مجموعهم مجموع القوم حتى يفيد العلم.
الثالث : أن يكون المراد من الحذر : هو العمل بقول المنذر لا الخوف النفساني.
الرابع : أن يكون الحذر بمعنى العمل واجبا.
وهذه الأمور ثابتة إلا الأمر الرابع ، وهو وجوب الحذر.
٢ ـ إثبات وجوب الحذر بأحد وجوه :
الأول : أن كلمة «لعل» لا يمكن أن يراد بها الترجي الحقيقي في المقام ؛ لاستحالته على الله تعالى ، فيراد بها الدلالة على محبوبية العمل ، وعليه : فالآية تدل على محبوبية الحذر ، وهو ملازم لوجوبه شرعا ؛ لعد الفصل ، فكلّ من قال بمحبوبيته قال بوجوبه.
وعقلا : لأنه إما أن يكون هناك مقتض للعقاب أو لا.
فعلى الأول : وجب الحذر ، وعلى الثاني : لم يحسن أصلا.
وهذا التقريب مشترك بين من يذهب إلى أن «لعل» موضوعة للترجي الحقيقي ، وقد أريد بها هنا المحبوبية مجازا ، كما هو المشهور ، وبين من يذهب إلى أنها موضوعة للترجي الإيقاعي الإنشائي والاختلاف إنما هو بحسب الداعي كما هو مختار المصنف.
الثاني : أن الإنذار واجب بظاهر الآية المباركة ؛ لأنه غاية للنفر الواجب ، فإذا لم يجب الحذر عند الإنذار كان وجوبه لغوا ، فلا بد من الالتزام بوجوب الحذر ؛ لئلا يكون الإنذار لغوا.
__________________
(*) البقرة : ١٥٩.