فيها (١) لو خالفه ، إلا إنها ليست بضرر على كل حال (٢) ، ضرورة (٣) : أن كل ما
______________________________________________________
وحاصل هذا الوجه الأول : أن المفسدة وإن كانت مظنونة بظن التكليف ، حيث إن الملاكات من قبيل الأمور التكوينية والخواص المترتبة على الأشياء التي لا تنفك عنها ، فالظن بالتكليف كالعلم به ، والشك فيه مستلزم للظن بالملاك أو العلم به أو الشك فيه ، فإن الملازمة بين الحكم وبين ملاكه ثابتة في جميع المراحل ، بخلاف العقوبة كما عرفت ، فلا يمكن التفكيك بين الظن بالحكم وبين الظن بملاكه ؛ إلا إن هذا التكليف إما أن يكون هو الحرمة ، وإما أن يكون هو الوجوب ، فإن كان هو الوجوب : كانت المفسدة المظنونة ـ لو خولف الوجوب المظنون ـ هو فوات المصلحة ، وسيأتي التعرض له عند قول المصنف : «وأما تفويت المصلحة ...» الخ.
وإن كان هو الحرمة : فالمفسدة وإن كانت مظنونة حينئذ إلا إن المفاسد على قسمين ، فإنها قد تكون نوعية ، وقد تكون شخصية. فإن كانت نوعية : لم توجب ضررا على الفاعل وإن كان ضررا على المؤمنين القاطنين في أقطار أعداء الدين ، فالمفسدة النوعية توجب قبح الفعل ؛ لكنها ليست ضررا على الفاعل حتى يجب عليه دفعه عند الظن به ، فنفس عنوان المفسدة ليس ضررا ولا ملازما له.
وإن كانت المفسدة شخصية : فالعقل وإن حكم بوجوب دفعها ؛ لأنه ضرر على شخص الفاعل ؛ لكن لزوم دفعها منوط بإحرازها علما أو ظنا ، وما لم يحرز ذلك الضرر لم يحكم العقل بلزوم دفعه والتخلص منه ، فإن المورد شبهة موضوعية تجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان. هذا ما أفاده المصنف في منع الصغرى ؛ ولكن الشيخ الأنصاري منعها بوجه آخر.
(١) أي : في المفسدة ، للملازمة الواقعية بين التكليف بوجوده الواقعي وبين ملاكه ، ومن المعلوم : أن هذه الملازمة تتحقق في صورة العلم بالتكليف والظن به والشك فيه ، وضمائر «فلأنها ، فيها ، إنها» راجعة على المفسدة ، وضمير «خالفه» راجع على التكليف.
(٢) أي : المفسدة ليست ضررا مطلقا وإن كانت نوعية ؛ بل هي ضرر إن كانت شخصية فقط.
(٣) تعليل لعدم كون المفسدة ضررا مطلقا ، تقريبه : أن «القبيح» أعم من الضرر ، فالمفسدة ـ ولو كانت نوعية ـ توجب قبح الفعل من دون أن تكون ضررا ، فلا ملازمة بين القبح وبين الضرر الشخصي الذي هو مورد قاعدة دفع الضرر المظنون كما لا يخفى.