يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله (١) ؛ بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل ؛ بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه أصلا (٢) ، كما لا يخفى.
وأما تفويت المصلحة (٣) : فلا شبهة في أنه ليس فيه مضرة ؛ بل ربما يكون في استيفائها (٤) المضرة ؛ كما في الإحسان بالمال ، هذا مع منع (٥) كون الأحكام تابعة
______________________________________________________
(١) فإن الأحكام التحريمية إنما وضعت للأضرار الكامنة فيها ، ولا تختص الأضرار بأشخاص الفاعلين ، فكثير من الأحكام أضرارها نوعية تعود إلى النوع ، ولذا حرمت ؛ بل ربما كانت الأحكام الضررية ذات منافع على نفس الفاعل.
فإن في ترك الزكاة وأكل الربا والسرقة منافع مادية للمرتكب.
(٢) لا على فاعله ولا على غيره ، فإن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد ولا دليل على أن المفسدة يجب أن تكون ضررا.
(٣) غرضه : منع الصغرى ـ أعني : كون الظن بالحكم ملازما للظن بالضرر ـ مطلقا ، سواء كان المظنون الحرمة أم الوجوب. أما الحرمة فقد تقدم الكلام فيها. وأما الوجوب ـ وهو المقصود بالذكر فعلا ـ فمحصل ما أفاده في وجهه : أن مخالفة الوجوب المظنون لا توجب إلا الظن بفوات المصلحة ، ومن المعلوم : أن فوات المصلحة ليس ضررا ـ أي نقصا ـ بل عدم نفع ، ومن الواضح : أن تحصيل النفع غير لازم حتى يجب العمل بالوجوب المظنون.
وقد تحصل من جميع ما ذكرنا في منع صغرى هذا الدليل العقلي : أن الملازمة المدعاة بين الظن بالحكم والظن بالضرر ممنوعة ، سواء كان الحكم المظنون وجوبا أم حرمة ، وسواء أريد بالضرر الضرر الدنيوي ـ أعني المفسدة ـ أم الأخروي ـ أعني : العقوبة ـ وعليه : فلا يكون الظن بالحكم حجة.
وضمير «فيه» راجع على تفويت المصلحة ، وضمير «أنه» للشأن.
(٤) أي : استيفاء المصلحة ، وغرضه : أن فوات المصلحة لا يكون مطلقا ضررا ؛ لعدم كونه نقصا ، بل قد يكون الضرر في استيفائها كما في استيفاء مصلحة الإحسان بالمال والجهاد ، فإن الأول موقوف على الضرر المالي ، والثاني على الضرر النفسي.
(٥) هذا ثاني الوجهين اللذين ذكرهما في منع الصغرى ، بناء على الاحتمال الثاني ـ أعني : ما إذا أريد بالضرر المذكور فيها المفسدة ، ـ وهذا الوجه ناظر إلى إنكار أصل تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد ، وكان الأولى تقديمه على الوجه الأول المتقدم بقوله : «فلأنها