للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها ، بل إنما هي تابعة لمصالح فيها كما حققناه في بعض فوائدنا.
وبالجملة (١) : ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال وأنيط بهما الأحكام بمضرة (٢) ، وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من (٣) الأفعال على القول باستقلاله بذلك (٤) : ...
______________________________________________________
وإن كان الظن ...» الخ ، لتقدمه عليه طبعا ، فكان المناسب أن يقول هكذا : «أما المفسدة : ففيها أولا : عدم تسليم كونها في الفعل ، وثانيا : منع كونها ضررا على كل حال».
وكيف كان ؛ فتوضيح هذا الوجه الثاني : أن الظن بالحكم ليس ملازما للظن بالمفسدة أو فوات المصلحة ؛ إذ هذه الملازمة مبنية على حصر المصالح والمفاسد في متعلقات التكاليف حتى تكون مخالفة العبد سببا للوقوع في المفسدة أو فوات المصلحة. وأما إذا كانتا في نفس الجعل ، فهما حاصلتان بنفسه ، ولا ربط لهما بمخالفة العبد وموافقته للحكم المظنون.
وضمير «فيها» راجع على الأحكام ، بمعنى أنه يكفي أن يكون نفس الإيجاب أو التحريم ذا مصلحة.
وحاصل ما حققه المصنف في بعض فوائده : أن الأحكام مما لا تتبع المصالح والمفاسد في الأفعال ؛ كي يستلزم الظن بالوجوب أو الحرمة الظن بالمفسدة في المخالفة ؛ بل تتبع المصالح والمفاسد في نفس الأحكام.
(١) هذا حاصل ما ذكره في الوجه الأول ومزيد توضيح له ، فكان المناسب بيانه قبل قوله : «مع منع كون ...» وتوضيحه : ـ على ما في «منتهى الدراية» ـ أنه ليس ملاك حكم العقل بحسن شيء أو قبحه هو كونه ذا نفع عائد إلى الفاعل أو ضرر وارد عليه ؛ بل ملاك حكمه بهما أعم من ذلك.
فعلى القول باستقلال العقل بالحسن والقبح لا يتوقف حكمه بهما على النفع والضرر الشخصيين ؛ بل يكفي في اتصاف الفعل بالحسن والقبح المصلحة والمضرة النوعيتان كما لا يخفى.
(٢) خبر «ليست المفسدة».
(٣) بيان للموصول في الموضعين.
(٤) أي : بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة. وضمير «باستقلاله» راجع على العقل.