.................................................................................................
______________________________________________________
فهناك صغرى وكبرى.
أما الصغرى : فلأن مخالفة التكليف تستلزم العقوبة كما تستلزم الوقوع في المفسدة ، بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.
فالظن بالتكليف ملازم للظن بالعقوبة والمفسدة في مخالفته.
وأما الكبرى : فحكم العقل بلزوم دفع الضرر المظنون ، وحكمه بذلك لا يستند إلى حكمه بالحسن والقبح ؛ بل مع إنكار التحسين والتقبيح العقليين يلتزم العقل بلزوم دفع الضرر المظنون ؛ إذ لا ينكر الأشعري المنكر للحسن والقبح بأن العقل لا يقدم على مظنون الضرر ؛ بل يدفع الضرر المظنون.
وكيف كان ؛ فقد استقل العقل بلزوم دفع الضرر المظنون ، سواء قلنا بالحسن والقبح العقليين أم لم نقل.
٢ ـ وقد أجاب المصنف عن هذا الوجه : بمنع الصغرى فقال : إن الظن بالتكليف لا يستلزم الظن بالضرر على مخالفته ، سواء كان المراد بالضرر الضرر الأخروي ـ العقوبة ـ أو الدنيوي ـ المفسدة أو فوات المصلحة ـ.
وأما العقوبة : فلأنها لا تترتب على مجرد مخالفة التكليف الواقعي ؛ بل هي تترتب على المعصية ، وهي لا تتحقق إلا إذا كان التكليف منجزا عقلا ؛ إذ لو لا تنجز التكليف لما كان الظن بالتكليف ملازما للظن بالعقوبة على مخالفته.
اللهم إلا أن يقال : إن العقل كما لا يستقل بتنجز التكليف بمجرد الظن به لا يستقل بعدم العقاب على مخالفته أيضا ، فتكون العقوبة محتملة ، فيكون المورد من موارد دفع الضرر المشكوك المحتمل ، ودعوى لزوم دفعه عقلا قريبة جدا.
وأمّا للمفسدة فلوجهين :
أحدهما : إنكار لزوم تبعية الأحكام للمصالح أو المفاسد في متعلقاتها ؛ بل يمكن أن تكون تابعة للمصالح فيها ، وهي تستوفى بمجرد الجعل.
وثانيهما : أن التكليف إنما ينشأ عن مصلحة أو مفسدة نوعية في متعلقه لا شخصية ، ولذا كان بعض الواجبات يستلزم أضرارا شخصية كالزكاة والجهاد ، كما أن بعض المحرمات يستلزم منافع شخصية كالقمار والسرقة والغصب.
٣ ـ الوجه الثاني : أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا.