.................................................................................................
______________________________________________________
وقبل الخوض في البحث ينبغي بيان الفرق بين التجري والمعصية ، وبين الانقياد والطاعة.
وخلاصة الفرق : أن التجري هو مخالفة القطع غير المصادف للواقع ، والمعصية مخالفة القطع المصادف للواقع ، وكذلك الإطاعة موافقة القطع المصادف للواقع ، والانقياد موافقة القطع غير المصادف للواقع.
٢ ـ جهات بحث التجري : وهي ثلاث :
الأولى : أصولية حيث يبحث فيه عن أن التجري هل يوجب قبح الفعل المتجرى به فيترتب عليه الحكم بالحرمة ، فيقع في طريق استنباط الحكم الشرعي.
الثانية : كلامية. حيث يبحث فيه عن استحقاق المتجرى للعقاب وعدم استحقاقه له.
الثالثة : فقهية حيث يبحث عن حرمة الفعل المتجرى به وعدمها.
٣ ـ حاصل كلام المصنف في التجري :
أنه يوجب استحقاق العقاب لانطباق عنوان الطغيان والتمرد عليه ، فلا فرق بين المعصية والتجري في استحقاق العقوبة ، ولازم ذلك : حجّية القطع وإن كان مخالفا للواقع ، فيكون قبح التجري فعليا لا فاعليا ؛ كما ذهب إليه الشيخ الأنصاري «قدسسره» ، والدليل على استحقاق عقاب المتجري : هو الوجدان ، فإنه يشهد بصحة المؤاخذة على العزم على المخالفة ، وعدم صحتها على مجرد سوء السريرة.
ثم التجري لا يغير ما عليه الفعل المتجرى به واقعا من الحكم والصفة ؛ إذ ليس القطع من الوجوه والاعتبارات الموجبة للحسن والقبح عقلا.
هذا مع أن الفعل المتجرى به أو المنقاد به بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب لا يكون اختياريا ، والموجب للحسن والقبح لا يصح أن يكون إلا من الأمور الاختيارية.
٤ ـ وتوهّم : عدم استحقاق العقوبة على الفعل المتجري به بما هو مقطوع الحرمة ؛ لكونه غير اختياري ، فينافي العقاب لما تقدم من كون المتجري مستحقا للعقوبة مدفوع : بأنّ العقاب إنما هو على قصد المخالفة والطغيان ؛ لا على نفس الفعل المتجرى به.
٥ ـ وتوهّم : أن القصد والعزم إنما يكون من مبادئ الاختيار وهي غير اختيارية ، فيلزم أن يكون العقاب على العزم والقصد عقابا على أمر غير اختياري وهو باطل عند العدلية مدفوع بأحد وجهين :
الأول : أن بعض مبادئ الاختيار ـ كالقصد والعزم ـ يكون اختياريا فيصح أن يعاقب عليه.