بضد التكليف عقلا (١) ليس بأقل من محذور عدم الالتزام به بداهة (٢) ، مع (٣) ضرورة : أن التكليف ـ لو قيل باقتضائه للالتزام ـ لم يكد يقتضي إلا الالتزام بنفسه عينا لا الالتزام به أو بضده تخييرا.
______________________________________________________
المعلوم : أن محذور الالتزام بضد الحكم الواقعي ـ وهو التشريع ـ ليس بأقل من محذور عدم الالتزام بحكم رأسا ؛ بل لا محذور في عدم الالتزام ، لارتفاع وجوبه بعدم القدرة عليه ، فكما يكون الالتزام بحكم الله حسنا ، فكذلك يكون الالتزام بغير حكمه تعالى قبيحا ؛ لأنه تشريع محرم.
(١) قيد لمحذور الالتزام ، والمراد من المحذور : هو التشريع.
(٢) قيد «ليس» ، والمراد بمحذور عدم الالتزام به : هو المعصية.
(٣) هذا إشارة إلى اللازم الثالث من اللوازم المترتبة على وجوب الالتزام بخصوص الحكم الواقعي ، وحاصله : أنه يرد على وجوب الأخذ بأحدهما المعين من خصوص الوجوب أو الحرمة إشكالان :
أحدهما : محذور التشريع ؛ لاحتمال كون الحكم الملتزم به ضد الحكم الواقعي ، وهو الذي أشار إليه بقوله : «فإن محذور الالتزام ...» الخ.
ثانيهما : أن التكليف إذا اقتضى وجوب الالتزام فلا يقتضي إلا الالتزام بنفسه عينا ؛ لا الالتزام به أو بضده تخييرا.
والحاصل : أنه ـ بناء على عدم كفاية الموافقة الالتزامية الإجمالية ـ لا بد من الالتزام بارتفاع وجوبها ؛ كارتفاع وجوب الموافقة العملية.
وتوهّم : أنه لا بد إما من وجوب الالتزام بكلا الحكمين في الدوران بين المحذورين ـ الوجوب والحرمة ـ لتوقف الموافقة القطعية الالتزامية عليه ، أو الالتزام بأحدهما بالخصوص تخييرا ؛ لإناطة الموافقة الاحتمالية به فاسد.
أما الأول : فلعدم معقوليته ؛ إذ مع العلم بعدم كون أحدهما مرادا له «سبحانه وتعالى» لا ينقدح في نفس العاقل التزام جدي بكل واحد منهما بعينه ، هذا مضافا إلى استلزامه ـ بعد تسليمه ـ للمخالفة القطعية ؛ لعلمه بعدم كون أحدهما حكما له تعالى.
وأما الثاني : فلدورانه بين المحذورين ؛ لأنه إذا اختار الوجوب والتزم به بعينه ، فإن كان الحكم الواقعي هو الوجوب أيضا ، فلا بأس بهذا الالتزام ، ولم يتوجه إليه محذور ، وإن كان هو الحرمة فقد شرع ووقع في محذور التشريع. وكذا القول إذا اختار الحرمة والتزم بها ، فالالتزام بأحد الحكمين عينا إما واجب وإما حرام.