وبالجملة كان بناء العقلاء على حجيتها بالنسبة إلى المشتبه هاهنا بخلاف هناك ، ولعله لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما ، بإلقاء حجتين هناك ، تكون قضيتهما بعد تحكيم الخاص وتقديمه على العام ، كأنه لم يعمه حكما من رأس ، وكأنه لم يكن بعام ، بخلاف هاهنا ، فإن الحجة الملقاة ليست إلّا واحدة ، والقطع بعدم إرادة إكرام العدو في (أكرم جيراني) مثلا ، لا يوجب رفع اليد عن عمومه إلّا فيما قطع بخروجه من تحته ، فإنه على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه ، فلا بد من اتباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه.
بل يمكن أن يقال : إن قضية عمومه للمشكوك ، أنه ليس فردا لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه ، فيقال في مثل (لعن الله بني أمية قاطبة) : إن فلانا وإن شك في إيمانه يجوز لعنه لمكان العموم ، وكل من جاز لعنه لا يكون مؤمنا ، فينتج أنه ليس بمؤمن ، فتأمل جيّدا.
______________________________________________________
ولعلّ الموجب للفرق بين المخصّص اللفظي المنفصل واللبّي من قبيل هذا القسم في نظرهم ، هو أنّ ما يلقى الى المكلّف بعنوان الحجّة خطابان ويكون مقتضى الجمع العرفي بينهما تقييد موضوع العام بما لا ينطبق عليه عنوان المخصّص ففي النتيجة يكونان بمنزلة خطاب واحد ، بخلاف المخصّص اللبّي فإنّ الملقى بعنوان الحجة خطاب واحد ولا تنافي بين الحجّتين ليجمع بينهما بالتقييد بل رفع اليد عن العموم لكون العلم في مورد إحراز حكم العقل حجّة ذاتا ، بخلاف ما لم يحرز حكمه فيه.
أقول : الموجب لعدم جواز التمسّك بعموم العام في الشبهة المصداقية لعنوان الخاص الوارد في خطاب منفصل هو كشف خطاب الخاص عن تقيّد موضوع العام ثبوتا ، بعدم انطباق العنوان الوارد في خطاب الخاص على فرده ، وبعد هذا الكشف لا قيمة لظهور العام في كون الموضوع لحكمه عنوان العام بنحو اللابشرط