مع أنه بحسب الواقع ليس له قرار ، أو ليس له دوام واستمرار ، وذلك لأن النبي صلىاللهعليهوآله الصادع للشرع ، ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال ، وأنه ينسخ في الاستقبال ، أو مع عدم اطلاعه على ذلك ، لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه (تبارك وتعالى) ، ومن هذا القبيل لعله يكون أمر إبراهيم بذبح إسماعيل.
وحيث عرفت أن النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا ، وإن كان بحسب الظاهر رفعا ، فلا بأس به مطلقا ولو كان قبل حضور وقت العمل ، لعدم لزوم البداء المحال في حقه (تبارك وتعالى) ، بالمعنى المستلزم لتغير إرادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة ، ولا لزوم امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ ، فإن الفعل إن كان مشتملا على مصلحة موجبة للأمر به امتنع النهي عنه ، وإلّا امتنع الأمر به ، وذلك لأن الفعل أو دوامه لم يكن متعلقا لإرادته ، فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير إرادته ، ولم يكن الأمر بالفعل من جهة كونه مشتملا على مصلحة ، وإنما كان إنشاء الأمر به أو إظهار دوامه عن حكمة ومصلحة.
______________________________________________________
فإنّ الجاهل بها لخفاء جهة في الفعل يتخيّل أنّ فيه صلاحا ملزما فيأمر به ويبعث نحوه ثم يلتفت إلى جهة الفساد فيه فيلغي أمره به ، نظير من يعتقد أنّ في المعاملة الكذائية ربح وافر وبعد العقد يلتفت إلى كونها خاسرة ، فيفسخها بخيار أو إقالة ، والنسخ بهذا المعنى يمكن وقوعه قبل حضور وقت العمل وبعده كما يحصل الفسخ في الاجارة قبل عمل الأجير أو بعده ولا يخفى أنّ استمرار الحكم وإلغائه خارجان عن مدلول خطابي الأمر والنهي لأنّ بقائه أو إلغائه متأخّران عن مرتبة الجعل ، سواء كان المجعول حكما مؤقتا أو مستمرا ولا بدّ عند الشك في هذا النسخ كالشك في بقاء العقد أو فسخه من قبل ذي الخيار من استصحاب عدم النسخ كالاستصحاب في عدم فسخ المعاملة.