ثم لا يخفى عليك أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده ، مجرد بيان ذلك وإظهاره وإفهامه ، ولو لم يكن عن جد ، بل قاعدة وقانونا ، لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه ، لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فلا يكون الظفر بالمقيد ـ ولو كان مخالفا ـ كاشفا عن عدم كون المتكلم في مقام البيان ، ولذا لا ينثلم به إطلاقه وصحة التمسك به أصلا ، فتأمل جيدا.
وقد انقدح بما ذكرنا أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان ـ أيضا ـ تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال من مقدمات الحكمة ، فلا تغفل.
بقي شيء : وهو أنه لا يبعد أن يكون الأصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد ، هو كونه بصدد بيانه ، وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالإطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة ، ولذا ترى أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها ، مع عدم إحراز كون مطلقها بصدد البيان ، وبعد كونه لأجل ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع والسريان ، وإن كان ربما نسب ذلك إليهم ، ولعل وجه النسبة ملاحظة أنه لا وجه للتمسك بها بدون الإحراز والغفلة عن وجهه ، فتأمل جيدا.
______________________________________________________
وعدمه يتوقف على تمامية أمور :
الأوّل : إحراز أنّ المتكلم في مقام بيان تمام المراد ؛ يعني المراد الاستعمالي بأن يحرز أن ما وقع في الخطاب موضوعا أو متعلقا يريد المتكلّم بيان تمام قيود ذلك الموضوع أو المتعلّق والحكم ، في مقابل جعل الموضوع أو المتعلق أو حكمه في الخطاب مهملا أو مجملا من حيث القيود ، ولا يخفى أنّ عدم الإهمال والإجمال في كل خطاب صادر عن متكلم حكيم ، هو الأصل الأولى.
الثاني : عدم ذكره في الخطاب قرينة على القيد ، ولم يكن في غير الخطاب