على مخالفة القطع ، وهل كان العقاب عليها إلّا عقابا على ما ليس بالاختيار؟
قلت : العقاب إنما يكون على قصد العصيان والعزم على الطغيان ، لا على الفعل الصادر بهذا العنوان بلا اختيار.
إن قلت : إن القصد والعزم إنما يكون من مبادئ الاختيار ، وهي ليست باختيارية ، وإلّا لتسلسل.
قلت : ـ مضافا إلى أن الاختيار وإن لم يكن بالاختيار ، إلّا أن بعض مباديه غالبا يكون وجوده بالاختيار ، للتمكن من عدمه بالتأمل فيما يترتب على ما عزم عليه من تبعة العقوبة واللوم والمذمة ـ يمكن أن يقال : إن حسن المؤاخذة والعقوبة إنما
______________________________________________________
على نفس القصد والعزم عنده لا على ما عزم عليه فكيف يكون التأمل في تبعة ما عزم عليه موجبا لزوال عزمه ، وذلك فإن اللوم والمذمّة واستحقاق العقاب مترتب على العصيان وبما أنّ القاطع لا يحتمل خلاف قطعه ولا يرى ارتكابه حال الفعل إلّا معصية يكون تأمله في تبعة العصيان موجبا لارتداعه عن قصده وعزمه ، نعم يرد على الماتن من أن العزم والقصد لا يكون اختياريا بذلك ، فإن ملاك الاختيارية عندهم كون الشيء بالإرادة والاختيار ، والاختيارية بالنحو الذي ذكره يناسب مسلك المتكلّمين في الأفعال وبناء على مسلكهم تجري تلك الاختيارية في نفس الإرادة حيث إنّها أيضا قابلة للزوال بالتأمل المزبور ، ولا تكون إلّا داعيا إلى الارتكاب لا علة تامة لحصول الفعل كما هو مقرّر عندهم ، ولعله لذلك أجاب ثانيا بأنّه لا ينبغي التأمل بأنّ بعد العبد عن المولى يترتب على التجري ، والعقاب من تبعة هذا البعد ، كما أنّ العقاب أيضا من تبعة البعد الحاصل بالعصيان ، وإذا أمكن حصول البعد بالتجري وإن لم يكن التجري أمرا اختياريا فلا مانع أيضا أن يوجب استحقاق العقاب مع عدم كونه غير اختياري ، وحصوله بسبب سوء سريرته وخبث باطنه بحسب نقصان ذاته