فلما كان غرض الفقيه ، هو وجوب القضاء ، أو الإعادة ، أو عدم الوجوب ، فسر صحة العبادة بسقوطهما ، وكان غرض المتكلم هو حصول الامتثال الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة ، فسرها بما يوافق الأمر تارة ، وبما يوافق الشريعة أخرى.
وحيث إن الأمر في الشريعة يكون على أقسام : من الواقعي الأولى ، والثانوي ، والظاهري ، والأنظار تختلف في أن الأخيرين يفيدان الإجزاء أو لا يفيدان ، كان الإتيان بعبادة موافقة لأمر ومخالفة لآخر ، أو مسقطا للقضاء والإعادة بنظر ، وغير مسقط لهما بنظر آخر ، فالعبادة الموافقة للأمر الظاهري ، تكون صحيحة عند
______________________________________________________
في تمامية العبادة وعدمها.
ثمّ إنّه قدسسره بعد بيان معنى الصحّة والفساد تعرّض لكون الصحّة والفساد في كلّ من العبادة والمعاملة أمرا جعليا شرعيا ، أو حكما عقليا ، أو أمرا اعتباريا انتزاعيا عن الشيء الخارجي ، فذكر أنّ الصحّة في العبادات على ثلاثة أقسام : قسم منها أمر اعتباري انتزاعي ، وقسم منها من حكم عقلي ، وقسم منها مجعول شرعي.
أمّا الأول : فإنّ توصيف العمل بالصحة باعتبار أنّ المأتي به مطابق لما تعلّق به الأمر وبالفساد باعتبار أنّه غير مطابق لما تعلّق به الأمر أمران اعتباريان ، منشأ اعتبارهما وانتزاعهما المطابقة وعدمها وليسا من الأحكام العقلية ولا من المجعولات الشرعية.
والثاني : ما يدخل في حكم العقل وهو سقوط القضاء والإعادة ، فإنّه من حكم العقل المترتّب على الإتيان بالمأمور به الاختياري الواقعي ، حيث لا يعقل ثبوت الإعادة والقضاء مع الإتيان به.
وبتعبير آخر : كما أنّ استحقاق المثوبة مع الإتيان بالمأمور به الواقعي من حكم العقل على الامتثال كذلك حكمه بسقوط التكليف وعدم بقاء المجال للإعادة أو القضاء ،