فقد ظهر من هذا كلّه أنّه لم يكن للنبيّ صلىاللهعليهوآله ولا لغيره الاعتماد على ما لم يكن من اللّه ، لاسيّما ممّا لم يكن مصوناً عن الإيقاع في الخطأ والتأدية إلى خلاف ما عند اللّه ؛ ضرورة أنّه بعد ما ظهر من ورود الأشياء كلّها من اللّه مع تعيين المعلّم ، لا يبقى احتمال اختيار للمعلّم ولا لغيره ما سوى التسليم .
(هذا ، مع أنّ) (١) النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يكن يحتاج إليه ؛ إذ لا حاجة إلى البُرهان فيما يكون معلوماً بالبيان ، لاسيّما إذا كان في حكم العيان ، ولا يتصوّر الظنّ والتخمين فيما يكون معلوماً باليقين ، وكذلك حال الاُمّة ، لما ظهر من انحصار طريق التعلّم من اللّه في الأخذ من المعلّم من اللّه دون غير ذلك .
ثمّ إنّ من الواضحات البيّنة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يبق طول زمان التكليف حتّى يوفي لجميع اُمّته جميع ما يحتاجون إلى تعليمه بنفسه إلى آخر الزمان ، ومعلوم أيضاً أنّه لم يُعلّم في حياته جميع الأشياء ـ لاسيّما الذي يحتاجون إليه فيما بعد ـ لسائر الاُمّة ، وأنّ كلّ أحد لا يفهم جميع ما في القرآن .
وهذا ـ مع إضافة ما هو ثابت من عدم تقصيره في التبليغ ، وما تبيّن صريحاً من انحصار طريق التعلّم في الأخذ من المعلّم من اللّه ـ ينادي بأن لابدّ ومن الواجبات اللازمة : أن يكون بعده إلى آخر الزمان في كلّ عصر ـ بل في كلّ آنٍ ـ مَن ينوب منابه ويقوم مقامه في هذا الأمر ، يكون إماماً للخلق ، وهادياً إلى الحقّ ، ولو رجلاً بعد رجل ، وأن يكون كلّ واحد بخصال النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لاسيّما في الصفات اللازمة في التعليم من كونه
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في «ن» : لأنّ .